تحت عنوان "الميل "الأخير" نشرت "وجهات نظر" يوم الاثنين 29-11-2004 مقالاً للكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان عرض خلاله مقارنة لم يتطرق كاتب أميركي غيره إليها من قبل. الكاتب رأى أن سقوط تمثال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في ميدان الفردوس بالعاصمة العراقية بغداد ليست كسقوط جدار برلين الذي كان يفصل بين الألمانيتين لسبب واحد هو أن الأخير كان جداراً وهمياً تلاشى ليظهر بعده مجتمع مدني قوي وأحزاب تسعى إلى تطبيق الديمقراطية، أما سقوط تمثال صدام فترك، حسب فريدمان، هماً ثقيلاً يتكون من شعب يكاد يخلو من مؤسسات المجتمع المدني ولا توجد فيه حتى الآن قيادات يمكن للعراقيين أن يلتفوا حولها. وإن كنت أتفق مع الكاتب في هذا الاستنتاج إلا أنني اختلف معه في استخدام التشبيه كونه لا يخدم التحليل الذي طرحه الكاتب في مقاله والمتمثل في أن إدارة بوش تسرعت في إطلاق هذا التشبيه، ما يعني قبول الكاتب بصحته ورفضه فقط لتوقيت صدوره. وفي تقديري كان سقوط حائط برلين نابعاً من إرادة الألمان أنفسهم وكان نتاجاً طبيعياً لرغبة شعب واحد في الوحدة من جديد والتخلص من مرحلة عقيمة كانت بالأساس فرضاً لإرادة المنتصرين (دول الحلفاء) في الحرب العالمية الثانية على المهزومين فيها (دول المحور بقيادة ألمانيا). أما سقوط تمثال صدام فكان نتيجة غزو أميركي خارج نطاق الشرعية الدولية، وإن كنت هنا لا أؤيد نظام صدام أو أدافع عن جرائمه، ومن ثم من غير المتوقع أن يكون هذا السقوط بداية لتحولات جذرية سواء في العراق أو الشرق الأوسط بشكل عام، ذلك لأن فرض التغيير سيجعل النتائج هشة كونها تفتقر في النهاية إلى قناعات ومبررات حقيقية. صحيح أن العراقيين لم يحزنوا على رحيل صدام، لكنهم يعيشون الآن في فوضى جراء التخبط الأميركي في إدارة عراق ما بعد الحرب، وهذا التخبط سينعكس بدوره على الانتخابات المقبلة، ما سيؤثر حتماً على "الميل الأخير" على حد قول فريدمان، أي مرحلة جني الثمار السياسية للحرب، وهو ما يستوجب على واشنطن خوض حملة علاقات عامة ضخمة في العراق لتحسين الأجواء قبيل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها مطلع العام المقبل.
الكاتب طرح في نهاية مقاله تساؤلات حول ما إذا كان "المتمردون" سينتصرون في النهاية في حال أسفرت عملياتهم عن بث الرعب في قلوب العراقيين وإحباط الجهود الأميركية التي تحاول من خلالها واشنطن جني المكاسب السياسية جراء حربها الأحادية على العراق، لكن فريدمان لم يطرح تساؤلاً مهماً في هذه الآونة وهو كيف تستطيع الولايات المتحدة تحسين صورتها أمام العراقيين بعد سقوط مئات الضحايا من المدنيين العراقيين جراء الاستخدام المفرط للقوة العسكرية في بعض المدن كالفلوجة والرمادي؟
صحيح أن واشنطن نجحت في إسقاط نظام صدام حسين، لكنها لم تحقق داخل العراق أياً من المكاسب السياسية التي طمح لها المخططون الاستراتيجيون، ليصبح هم إدارة بوش الإصرار على الهروب إلى الأمام والتأكيد على عدم تأجيل الانتخابات العراقية التي يشكك كثيرون في إمكانية إجرائها.
عبدالحميد إبراهيم - دبي