انتهى تقريباً كل وزير من الوزراء الجدد في التشكيلة الحكومية المعدلة من إعلان برنامج وزارته إعلامياً، حيث جرى العرف المهني على أن تحاصر الصحف الوزراء الجدد بالأسئلة وطلب اللقاءات عقب كل تشكيل وزاري، وهذا الأمر يستغرق فترة من الوقت ثم لا تلبث الأمور أن تعود إلى مجراها الطبيعي. ولكن اليومين الماضيين فوجئنا بظاهرة لافتة، وهي كثافة ظهور بعض وكلاء الوزارات في وسائل الإعلام المقروءة وإدلاؤهم بأحاديث صحفية تتلخص جميعها في عرض "البرامج التنفيذية المنبثقة عن خطة معالي الوزير" وشرح آليات تنفيذ خطط الوزارة المقبلة والإشادة بأفكار الوزير الجديد، واستعراض مهارات قيادات الصف الثاني في الإدارة وتبشير الجمهور بنقلات نوعية في الأداء. بالطبع من حق وكلاء الوزارة تحديد "مواسم" ظهورهم إعلامياً، سواء كان هذا الظهور مكثفاً أو نادراً، ولكن ربما يطرح هذا الظهور المكثف تساؤلات بديهية و"بريئة" في الوقت ذاته، إذ أن هناك علامة استفهام عريضة ومقلقة حول مغزى التماس بين حديث بعض الوكلاء وتصريحاتهم، وبين شعارات ما كان يعرف بـ"الثورة الإدارية" التي شهدت دولنا العربية الكثير منها، وجميعها لم يحقق إنجازاً يساوي قيمة ما كتبت به شعاراتها من أحبار؟.
المفروض أن السياسات العامة تجاه القضايا الجوهرية في مجتمعنا لم تتغير، وبالتالي فإن التغيير قد يطال آليات التنفيذ وليس المبادئ والأسس، ولذا فإن من المفيد وجود نوع من التراكم المعرفي والإداري والتخطيطي بحيث تستطيع كل مؤسسة أو وزارة الاستفادة منه في تحاشي الأخطاء والسلبيات بدلا من طي صفحة الماضي تماماً وإطلاق العنان لمنهج التجربة والخطأ!! والمفروض أيضاً أن يتفرغ وكلاء الوزارات إلى مهامهم والتركيز على كيفية الاستفادة من قوة الدفع التي حصلت عليها الوزارات، سواء تلك التي تولي شؤونها وزير جديد أو الوزارات التي لم يطل التغيير قمتها، فالظهور الإعلامي المتواصل يأخذ الكثير من الوقت الذي يفترض أنه مخصص لبحث ومناقشة إشكاليات العمل وعراقيل الأداء اليومي، فوزاراتنا تعج بكم هائل من الوكلاء والقطاعات التخصصية، وإذا تفرغ كل من هؤلاء الوكلاء للإدلاء بتصريحات، لوجدنا أنفسنا أمام نوع من التنافس والتسابق على الظهور في الصحف.
المؤكد أن وقت التفرغ للحديث عن الإنجازات لم يأتِ بعد، صحيح أن من حقنا أن نتباهى ونفتخر بإنجازاتنا التنموية، ولكن ينبغي ألا ندع الحديث يأخذنا والوقت يداهمنا، فالحفاظ على ما تحقق في عهد الشيخ زايد ـ رحمه الله ـ يتطلب منا المزيد والمزيد من التركيز لتطوير العمل والأداء ومواصلة البناء، ويتطلب كذلك أن نعمل أكثر مما نتحدث وأن نبحث عن حلول المشكلات أكثر مما نبحث عن اللقاءات الصحفية والتلفزيونية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية