الكلية هي أحد الأعضاء الحيوية، يشاركها في هذه الصفة كل من القلب والرئتين والكبد والمخ وغيرها من الأعضاء. هذه الصفة تعني أنه لا يمكن الاستمرار في الحياة دون وجود هذا العضو الحيوي، مقارنة مثلا بالأعضاء غير الحيوية كالعينين والأذنين والذراعين والساقين. وتختلف الكلى عن بقية الأعضاء الحيوية، في وجود زوج منها. ولذا إذا كان لا يمكننا الحياة بدون كليتين، إلا أنه يمكننا الحياة بكلية واحدة، أو حتى جزء من كلية واحدة. وتتعرض الكليتان مثلهما مثل بقية الأعضاء للفشل، الحاد والمزمن منه. وينتشر في العالم فشل الكليتين إلى حد كبير، فمثلا في الولايات المتحدة يهدد الفشل الكلوي حياة قرابة 190 ألف شخص سنوياً، ورغم العلاج المكثف يلقى نصف هؤلاء حتفهم كل عام، قبل أن يتمكن الأطباء من استعادة وظائف كلاهم. بينما في بريطانيا يلقى سنوياً أكثر من سبعة آلاف شخص حتفهم نتيجة الفشل الكلوي، بينما يتلقى 19 ألفاً آخرين علاجاً من خلال الغسيل الكلوي المنتظم، نتيجة عدم قدرة كلاهم عن تأدية وظائفها بشكل كافٍ. هذه الأرقام تأتي من دول، تعتبر هي الأفضل على مستوى العالم في مجال الطب والرعاية الصحية. ولذا يمكننا أن نتخيل عدد مرضى وضحايا الفشل الكلوي في الدول النامية والفقيرة، التي لا يجد الناس فيها حتى المضاد الحيوي البسيط.
وتلعب الكليتان دوراً أساسياً في الحفاظ على نقاء الدم وتوازنه الكيميائي من خلال تنقية "فلترة" الدم لإزالة السموم وبقية المواد الضارة. ولذا عندما تبدأ الكليتان في الفشل أو القصور عن تأدية وظائفهما، تبدأ المواد السامة في التجمع في الدم، مما يؤدي إلى اختلال التوازن والتركيب الكيميائي فيه. وما يتم في الغسيل الكلوي هو تمرير الدم خارج الجسم، عبر مجموعة من الأنابيب المتصلة بجهاز خاص. ويمكن لهذا الجهاز أن يقوم بتنقية وتصفية الدم من المواد السامة كما تفعل الكليتان في الوضع الطبيعي إلى حد ما. وغالباً ما تتم استعادة وظائف الكلى بدرجة كبيرة، إذا ما تلقى المريض العلاج المناسب وفي أسرع وقت ممكن. ولكن في الكثير من الحالات لا تستعاد وظائف الكلية بقدر كافٍ، لتتحول الحالة ساعتها إلى فشل كلوي مزمن. وبخلاف بدء الحالة كفشل حاد يتحول لاحقا إلى فشل مزمن، يمكن أن يصاب الشخص بفشل كلوي مزمن، نتيجة مرض آخر مزمن يظل يؤثر سلباً على الكليتين لفترة طويلة. وكما في حالات الفشل الحاد، يتم علاج الفشل المزمن من خلال الغسيل الكلوي، وهو الإجراء الذي يحتاجه المريض ثلاث مرات في الأسبوع، تستمر فترة الغسيل في كل منها ثلاث أو أربع ساعات.
والبديل الآخر لمرضى الفشل الكلوي المزمن هو زراعة الكلية، والذي أصبح حالياً إجراء روتينياً إلى حد ما، منذ أول نجاح له في عام 1954 على يد الجراح الأميركي
"Joseph Murray" في مدينة بوسطن. ورغم أن "جوزيف موري" قد حصل على جائزة نوبل في الطب عام 1990، بسبب إنجازاته في هذا المجال، وكنتيجة للأعداد الهائلة من البشر الذين تم إنقاذ حياتهم من خلال زراعة الكلى، إلا أن هذا الإجراء عابه دائماً نقص المتوفر من الكلي البشرية الصالحة للزراعة. فالكلية التي تتم زراعتها أو بالأحرى نقلها من شخص إلى آخر، إما أن تأخذ من متبرع متوفى أو متبرع حي، والذي غالبا ما يكون أحد الأقارب. وتتميز الكلية المأخوذة من شخص حي عن تلك المأخوذة من متوفي بعدة مزايا، منها أنها غالباً ما تكون متطابقة بشكل أفضل مع أنسجة المتلقي، ويمكن اختبار خلو المتبرع من الأمراض بشكل أدق وأوسع نطاقاً، هذا بالإضافة إلى أن الكلى المأخوذة من أحياء تعيش داخل أجساد المتلقين فترات طويلة مقارنة بتلك المأخوذة من الأموات. ولكن كما ذكرنا تواجه عمليات زراعة الكلى، مثلها مثل بقية عمليات وزراعة الأعضاء الأخرى، نقصاً حاداً في ما هو متوفر من أعضاء للزراعة. وبمرور الوقت وارتفاع عدد المراكز الطبية القادرة على أداء مثل تلك العمليات، وزيادة متوسط العمر للجنس البشري بما يحمله ذلك من زيادة انتشار الإصابة بالأمراض التي تصيب الكليتين بالفشل، يتوقع لهذا النقص أن يزداد حدة. هذه الأزمة في ما هو متوفر من أعضاء للزراعة من كلى وغيرها، يأمل البعض أن تحل في المستقبل من خلال أبحاث الخلايا الجذعية. فتلك الأبحاث ترمي إلى استغلال قدرة تلك الخلايا على تكوين خلايا وأنسجة وأعضاء بالكامل. وإذا ما تحقق هذا الحلم، فربما تصبح خلايانا يوماً ما مصدراً لا ينضب لقطع غيار بشرية لأجسادنا، نستخدمها وقت الحاجة ودون الحاجة إلى متبرعين موتى كانوا أم أحياء.
ولكن إلى أن يتحقق ذلك، لابد من البحث عن بديل آخر لعلاج مرضى الفشل الكلوي، وخصوصاً أولئك الذين يصابون بفشل حاد. هذا البديل جاء مؤخراً من مستشفيات جامعة ميتشيجان (University of Michigan Health System)، في شكل كلية اصطناعية حيوية
(Bioartificial Kidney). فرغم أن البعض ينظر أحياناً إلى أجهزة الغسيل الكلوي على أنها كلى اصطناعية، إلا أن الحقيقة هي أن تلك الأجهزة بعيدة إلى درجة كبيرة عن تأدية جميع وظائف الكلى ال