بعد الخطوة التي أفضت إلى استبدال "كولن باول" الأكثر تعقلاً بـ"كوندوليزا رايس" في وزارة الخارجية وفي ظل بقاء نصير الحروب دونالد رامسفيلد كوزير للدفاع، بدأ الكثيرون يعتقدون أن الرئيس بوش قد أصبح في طريقه لأن ينتهج سياسة خارجية أكثر تشدداً في فترته الثانية. وكرئيس أعيد انتخابه ولن يتسنى له مواجهة الناخبين مرة أخرى، وتدعمه أغلبية من الجمهوريين تهدف إلى إزالة جميع المعوقات التشريعية، فإن بوش فيما يبدو سيمضي في فترته الثانية على ذات النهج الأول. ولكن الاستناد إلى تاريخ الفترات الرئاسية الثانية، والظروف الحالية التي يمر بها الرئيس بوش تكشف بجلاء أن الحكمة التقليدية قد لا تتسم بذلك القدر المتوقع من العقلانية والتدبر.
ولكن المنتقدين تساورهم المخاوف بشأن ما يمكن أن يفعله الرئيس بوش. فالبعض يتوقع منه أن يعمد إلى تحدي إيران في مبادراتها النووية، ويرفض عملية التجميد التي فاوضتها عليها دول بريطانيا وفرنسا وألمانيا مؤخراً. ويتخوف البعض الآخر من أنه سيقوم بشكل أحادي بزيادة الضغوط على كوريا الشمالية بعد أعوام من الإحباطات والجهود المشتركة. وهنالك البعض الذي يستشعر قلقاً متنامياً من أنه سيلجأ إلى توسيع مظلة حملته المطالبة بالديمقراطية لكي تشمل كامل منطقة الشرق الأوسط بعد العراق، وسيتمثل الهدف الأكثر وضوحاً في إزالة بعض الديكتاتوريات الراديكالية في المنطقة بوسائل عسكرية بمبررات دعمها لـ"الإرهاب". أما الأغلبية فقد باتت تعتقد أن الرئيس ربما يتخذ خطوات أوسع نطاقاً في سبيل القضاء على الفوضى والتوتر في العراق والذي تعتبر فيه إعادة احتلال الفلوجة بمثابة الخطوة الأولى.
إن جميع هذه الافتراضات تبدو منطقية، غير أن جميع الرؤساء المنتخبين للمرة الثانية كانوا من الناحية النظرية يتمتعون بقدر كبير من الحرية لتحقيق أحلامهم الكبرى، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك على أرض الواقع. وعلى سبيل المثال ففي فترة "ريجان" الثانية تنبأ العديد من المراقبين بأنه سيتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد "إمبراطورية الشر" السوفييتية بالإضافة إلى تسارع أشد وتيرة في سباق التسلح بقيادة ما أطلق عليه اسم "حرب النجوم" في مقابل الصواريخ الباليستية. وكانت جميع المظاهر الخاصة بالوفاق قد توقفت في فترة "ريجان" الأولى بعد أن تم القبول بعجز هائل في الميزانية من أجل حشد وبناء القوات المسلحة بأسرع ما يمكن. لذا فقد تخوف الكثيرون من أن فترة "ريجان" الثانية سيسودها تصاعد المواجهات بطريقة ستؤدي لا محالة إلى الحرب. وبدلاً من تصعيد سباق التسلح مع الاتحاد السوفييتي، استقبل "ريجان" في فترته الثانية بحفاوة بالغة الرئيس "ميخائيل جورباتشوف" عند وصوله. وعلى عكس تحذيرات عناصر الـ"كي. جي. بي" من أن "ريجان" قد يعمد إلى إطلاق هجوم مفاجئ، فاجأ "ريجان" الجميع بمطالبة الجانبين بإجراء تخفيض كبير في ترسانة الأسلحة النووية.
ويبدو أن الرؤساء يميلون إلى قلب التوقعات في فترتهم الثانية، فبعد تجاهله الملحوظ للسياسة الخارجية في فترته الأولى، أبدى الرئيس "كلينتون" قدراً متزايداً من الاهتمام بهذه السياسة في فترته الثانية ذلك الاهتمام الذي بلغ أقصى مدى له عندما نصب الرئيس "كلينتون" نفسه كرئيس للمفاوضين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي مجالات أخرى أقل تأثيراً ولكنها انطوت على نتائج أفضل، ركز "كلينتون" اهتمامه أيضاً على العديد من المشاكل الخارجية الرئيسية ابتداءً من توسعة حلف "الناتو" وانتهاءً بالعلاقات مع اليابان، على عكس توقعات حتى أقرب مؤيديه.
وبالمقابل هنالك زعماء مثل "هتلر" و"ماو" وآخرين أقل ديكتاتورية منهم مثل صدام حسين الذين نجحوا في إلحاق الدمار بأوطانهم. ولكن "جورج بوش" ليس ديكتاتوراً مجنوناً، لأنه يمارس حكمه بموجب القوانين والتشريعات مما يجعل من الصعب مقارنته بهؤلاء. وعلى سبيل المثال فإنه قد يرغب في إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع، ولكن نسبة إلى تزايد عجز الميزانية بشكل هائل في فترته الأولى فقد بات من المستحيل عليه تقريباً أن يحصل على هذه الأموال الإضافية حتى من برلمان مؤيد له خلال فترة السنوات الأربع القادمة. وبالمثل فقد يرغب الرئيس بوش في إعادة احتلال كل المدن السنية في العراق، ولكن الحسابات الخاصة بالقوات الأميركية هناك إنما تتطلب منه التخطيط لفك الاشتباك عوضاً عن ذلك. وفي ظل نقص القوات في العراق وحاجتنا إلى المزيد من القوات في أماكن أخرى مثل كوريا وأفغانستان فإن الحرب لا يمكنها أن تتوسع في العراق بل يجب تخفيض هذه القوات إلى أدنى مستوياتها بحيث يتمكن العراقيون من تسلم السلطة.
وهناك نوع مماثل من المشاكل التي من المرجح أن تنأى بنا عن إشعال الحرب مع إيران بسبب تطويرها للأسلحة النووية. فعلى الرغم من الضجيج الذي يفتعله الكثير من المسؤولين الأميركيين فإن الدبلوماسية الثلاثية التي تضطلع بها بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد تصادف النجاح بعد أن فشلت في الماضي. وكان الزعيم الإيراني خامنئي قال مؤخراً:"إن أية دولة قوية متحد