يوتشينكو: ليبرالي يطمح إلى النموذج الجورجي


 مع تصاعد الخلاف الذي فجرته نتائج انتخابات الرئاسة الأخيرة في أوكرانيا، وما أعقبها من اضطرابات في العديد من مدن البلاد، برز على مساحة من أنباء الصحافة اليومية وشاشات التلفزيون في أنحاء العالم، اسم الزعيم السياسي المثير للجدل ومرشح المعارضة الأوكرانية لمنصب الرئاسة فيكتور يوتشينكو. فقد سارع ذلك المعارض النشط والجريء والحاد في نقده إلى رفض النتائج الرسمية للجولة الثانية من الانتخابات التي أجريت الأحد الماضي، متهماً السلطة الأوكرانية بتزوير الحصيلة لصالح منافسه رئيس الوزراء المنصرف فيكتور يانوكوفيتش. وفي أجواء محتقنة بالتوتر والترقب، وجه يوتشينكو دعوة إلى أنصاره من أجل التظاهر والاحتجاج والعصيان المدني حتى يتم إلغاء الانتخابات وإعادتها، قائلا "ليس لنا خيار آخر".


وفي البرلمان حيث تجمع مؤيدوه في محيط مقر الهيئة التشريعية طوال الليل، أدى يوتشينكو صبيحة الثلاثاء قسم اليمين الدستورية بوصفه رئيساً منتخباً للبلاد، لكنه تراجع عن تهديده بالزحف نحو قصر الرئاسة في كييف.


وبقدر ما أعادت تحركات يوتشينكو "القوية" إلى الذهن آخر تجربة للتغيير بواسطة الضغط الشعبي في كل من جورجيا وتشيكوسلوفاكيا، فإن الاعتراضات الغربية الواضحة على نزاهة الانتخابات في أوكرانيا، أمدت مؤيدي المعارضة في هذه الجمهورية السوفيتية السابقة بطاقة إضافية لرفض النتائج التي أعلنتها اللجنة المركزية للانتخابات، وأعادت ما يشبه أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا التي باركت نتائج الانتخابات الأوكرانية. ويعد يوتشينكو إصلاحياً ليبرالياً شديد الحماس لفلسفة اقتصاد السوق الحر، وينظر إليه في أوكرانيا على أنه أحد القادة السياسيين الموالين للغرب وليس لروسيا، فزوجته الثانية أميركية من أصل أوكراني، وتمتد صداقاته عبر شبكة من السياسيين في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة، وعرف بدعواته إلى إيجاد "تحالف متين" بين أوكرانيا والولايات المتحدة، وبين أوكرانيا وجيرانها في الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على البعد الخارجي، يتمتع يوتشينكو بشعبية واسعة أهلته لتصدر الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي أجريت يوم 31 أكتوبر الماضي وتنافس فيها 25 مرشحاً بمن فيهم منافسه القوي كوفيتش المؤيد لروسيا! ولد يوتشينكو في منطقة تجاور الحدود الأوكرانية مع روسيا، في ولاية سومي في الشمال الشرقي من البلاد عام 1959 لأبوين معلمين، ودرس الاقتصاد ليعمل في القطاع المصرفي خلال السنوات الأخيرة من العهد السوفييتي، ثم أصبح حاكماً للبنك المركزي الأوكراني في الفترة بين 1993 و1999، وحينئذ تمكن من السيطرة على مستويات التضخم التي كان ميؤوساً منها في أوكرانيا، وأنشأ سوقاً مالية ناجحة في عام 1996.


 وعلى خلفية إنجازاته ونجاحاته الاقتصادية السابقة، عين من طرف الرئيس ليونيد كوتشما رئيساً للحكومة في نهاية عام 1999، واستطاع خلال 15 شهراً أمضاها في منصبه تحريك الاقتصاد الأوكراني نحو معدلات نمو أدخلته مرحلة التحول، وأقام نظاماً شفافاً للدفع في قطاعات التجارة الخارجية والطاقة والديون، ووضع آلية لعمليات الخصخصة وتصفية القطاع العام لجعلها أكثر شفافية وانضباطاً.


ودُفعت في عهد رئاسته للحكومة، وذلك لأول مرة منذ سنوات عديدة، متأخرات أجور الموظفين ومستحقات التقاعد للعاملين، مما جعله أكثر السياسيين شعبية في أوكرانيا. لكن الإصلاحات الاقتصادية التي التزم يوتشينكو بتحقيقها، لقيت معارضة من جانب رجالات الأوليغارشية المقربين من الرئيس كوتشما الذي أصدر قراراً بعزله في إبريل 2001، فانتقل يوتشينكو إلى صفوف المعارضة وأسس في أواخر العام تحالف "أوكرانيا لنا" (وسط اليمين) الذي حل كأكبر قوة سياسية في البلاد خلال الانتخابات التشريعية لعام 2002، حيث فاز بـ 112 مقعداً من أصل 450 في البرلمان. وأدخَل يوتشينكو في التحالف الذي يقوده، السياسية البارزة يوليا توموشينكو التي تتزعم كتلة برلمانية وتوصف بالتطرف في توجهاتها المعارضة للسلطة، ليشكل ائتلافاً كبيراً من الليبراليين والوطنيين. وركز على الدوام، في نشاطه السياسي والتعبوي وفي حملته الانتخابية، على الفساد بوصفه مشكلة مزمنة في أوكرانيا، واتهم الحكومة بالتعتيم على هذه الحقيقة ومحاولة تكميم الأفواه. ومر يوتشينكو بظروف صحية عصيبة في أوائل سبتمبر الماضي حين كان يعد لإطلاق حملته الانتخابية، فنقل إلى فيينا في حالة حرجة جراء مرض لم تعرف أسبابه، فاتهم السلطات الأوكرانية فيما بعد بمحاولة تسميمه لمنعه من الفوز على منافسه. وحينما عاد إلى الظهور مرة أخرى بدا بوجه وبشرة عليهما آثار تشبه آثار الجدري. وتوقع مراقبون أن تجلب له محنته الصحية دعماً انتخابياً مفاجئاً، وقالوا إنه أصبح الآن "يمسك مستقبله السياسي بيديه". لكن كل ما في الأمر أن يوتشينكو أعاد تنظيم حملته الانتخابية بشكل جيد واختار فريق مساعديه وجع