كل الظروف أصبحت مهيأة لتحقيق سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط، ينهي عقودا من الحروب الدامية، ويضع حدا لحالة الاحتقان والغليان والتوتر، ويقود المنطقة إلى مرحلة شديدة الأهمية من الاستقرار يتحقق فيها الرخاء المنشود لكل شعوبها· فهل يتحقق كل ذلك؟·· المعطيات على الأرض تلقي ظلالا من الشك على ملامح الصورة·
فعلى الرغم من رفضنا لمنطق الحكومة الإسرائيلية الحالية والذي كان يرى في الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عقبة في طريق مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية·· إلا أن رحيله المفاجئ وضع الحكومة الإسرائيلية أمام اختبار صعب للنوايا·· وأعاد طرح السؤال القديم المتجدد: هل تريد إسرائيل حقا السلام وهل تسعى إليه·· أم أن سعيها يقتصر على البحث عن حجج واهية للتهرب من مسؤولياتها تجاه سلام لا تنشده واستقرار لا تتمناه·
ولم تكد الحكومة الإسرائيلية تهنأ بفسحة من الوقت تعيد خلالها حساباتها وتقيم مواقفها وتجدد مبرراتها الرافضة للسلام بعد رحيل الرئيس الفلسطيني حتى اصطدمت وبعنف بمبادرة الرئيس السوري بشار الأسد والتي أعلن فيها استعداد سوريا لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل بدون شروط مسبقة·· وهي المبادرة التي وضعت الحكومة الإسرائيلية في حرج غير مسبوق أمام المجتمع الدولي، عكسته ردود أفعالها المشككة والمعرقلة والغاضبة تجاه المبادرة·
فها هي سوريا تمد أياديها إلى السلام ''المنطقي'' عبر المفاوضات غير المشروطة·· وهو ما أكده بشكل قاطع منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تيري لارسن، عبر تصريحاته التي أشار فيها إلى استعداد الرئيس السوري لعودة غير مشروطة إلى طاولة المفاوضات، وأكد فيها أنه فهم ''بوضوح'' أن سوريا ليست لديها أي شروط مسبقة لبدء المفاوضات سوى الالتزام بالإطار المرجعي الذي لا خلاف عليه وهو قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة·· واختتمها بالتأكيد على أن الأجواء أصبحت مناسبة لاستئناف المفاوضات على المسارات المتبقية·
وفي المقابل استقبلت الحكومة الإسرائيلية المبادرة السورية ''المحرجة'' لها بالفتور والتشكيك في الجدية في البداية، ثم انتقلت إلى وضع شروط تعجيزية غريبة لعرقلتها، لعل أكثرها غرابة ما اقترحه أو اشترطه وزير الخارجية الإسرائيلي أن تكون المفاوضات سرية·
لقد آن الأوان لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته ويتدخل بقوة لإقناع إسرائيل بأن السلام ليس مجالا للمساومة والتلاعب بل يجب أن يكون خيارا استراتيجيا للجميع·