وجهة النظر التي أبداها الرئيس الفرنسي جاك شيراك أثناء زيارته إلى لندن مؤخراً حول عدم تقلص الإرهاب وأن العالم لم يعد أكثر أمناً بعد قيام الولايات المتحدة بتحرير العراق قبل عام مضى، ليست صحيحة إلا إذا كان المقصود النوعية، بمعنى أن عدد الهجمات الإرهابية ما كان لها أن تكون على ما هي عليه من نقصان في عددها لو لم تبادر الولايات المتحدة مضحية بالأموال والأنفس إلى ضرب حركة "طالبان" وتجفيف الموارد المالية لما يسمى بـ"اللجان الخيرية" الممول الرئيسي للجماعات الإرهابية، وكذلك تحرير العراق وتجمعهم في هذا البلد المنكوب بأهله ثم مواجهة الولايات المتحدة لهم عسكرياً، بدلا من تشتت المواجهات العسكرية. ولا يجب أن ننسى بهذا الصدد دور الولايات المتحدة في تحريك باكستان ضد هؤلاء الإرهابيين والضغط على الدول "النايمة على ودانها" تجاه أنشطة الجماعات الدينية، لتشديد المراقبة المالية. كل هذا النشاط المحموم ضد الجماعات الإرهابية أدى إلى تقليص عدد هجماتها. إذ لولا اختباء أسامة بن لادن في جحور جبال باكستان وأفغانستان لربما قام بعمليات مشابهة لحادثة المركز التجاري بنيويورك، لكن للأسف أن هذه الجماعات الإرهابية غيرت في نوعية العمليات بالتركيز على العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة لقتل الأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء. لقد أدى تطور تقنيات القتل ذات الأصل الأوروبي إلى توفير سلاح مدمر قاتل للنفس البشرية بيد الجماعات الإرهابية التي لم تتورع عن استخدامها بكل إجرام.
من جانب آخر أدت حرب الولايات المتحدة على الإرهاب حول العالم إلى انكشاف الخلايا النائمة في دول لم يكن أحد يظن في يوم ما أنها ستكون دولا مصدرة للإرهاب مثل الكويت والسعودية، حيث أخذ بعض شباب هاتين الدولتين في القيام ببعض العمليات الإرهابية داخل أوطانهم دون وازع من دين أو ضمير أو خلق. وقد أدى تحرير العراق إلى تصدير هؤلاء الإرهابيين إلى العراق مما أدى إلى تقلص العمليات الإرهابية في الكويت والسعودية، كما كشفت الحرب الاستباقية الأميركية ضد الإرهاب العالمي إلى انكشاف علماء السوء حول العالم، خاصة في منطقة الخليج الذين تبنوا ثقافة الجهاد الانتحاري وكشفوا عن الجانب القبيح في مفاهيمهم الخفية، وهو ما ساهم - ولاشك - في تحجيم العمليات الإرهابية المحتمل حدوثها بسبب سيل الفتاوى المجرمة الداعية لثقافة الانتحار. كذلك كشفت هذه الحرب عن الوجه القبيح للفكر الديني المتشدد في أوروبا الأمر الذي دفع الدول الأوروبية إلى وضع قوانين مكافحة الإرهاب. وها هو الإرهابي أبو حمزة المصري قابع في سجون بريطانيا يواجه تسع عشرة تهمة ذات طبيعة تحريضية وإرهابية، الأمر الذي جعل الآخرين المؤمنين بنهجه الإرهابي يعمدون إلى كف شرهم عن المجتمع البريطاني.
كل هذه التطورات الإرهابية للجماعات الدينية الإسلامية، ما كان لها أن تنكشف لولا الجهود الأميركية الفاعلة ضد الإرهاب، ولربما كانت أوروبا ذاتها أكبر هدف يتعرض للأذى لو تركت الجماعات دون مراقبة. لذلك يفترض من الرئيس الفرنسي الرافض سياسياً وعسكرياً لما تقوم به الولايات المتحدة ضد الإرهاب ألا يقف ضد الجهود الأميركية، ذلك أن تصريحاته تتيح المجال للإرهابيين لاستخدامها للتدليل على خطأ الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وهو أمر ليس في صالح السياسات الدولية. ومن حيث المبدأ لا يختلف تدخل القوات الفرنسية في ساحل العاج عن تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، لأنه تدخل تم بدون قرار دولي من مجلس الأمن.
لقد أخطأ الرئيس الفرنسي في رأيه هذا، إذ برغم مظاهر العنف الشديد للعمليات الإرهابية، فإن هذه العمليات آخذة في التقلص وربما انحصرت في رقعة جغرافية واحدة، وللأسف أن تكون هذه الرقعة، العراق. لكن المستقبل مشرق وواعد، ولكنه حتماً لن يكون عالماً بلا إرهاب.