مصير قرارات مؤتمر شرم الشيخ، كقرارات المؤتمرات السابقة عن العراق سيحددها العراقيون المُحتَلون والمُستّبعدون والمُعَذَبون. ومن كان يتوقع أن تحدد مقاومة العراقيين للغزو والاحتلال تطور الأحداث خلال 18 شهراً الماضية، أو يتكهن بأن يفرض العراقيون المُستضعفون تغيير تركيبة سلطة الاحتلال، ويضطروا واشنطن إلى إعادة توزيع كراسي الحكم في العراق، وترقية مُستخدميها العراقيين المغتربين إلى عضوية المجالس الانتقالية والمؤقتة للحكم والوزراء؟ من كان يتصور عشية الحرب أن تستغيث الإدارة الأميركية بمؤتمر في شرم الشيخ تشارك فيه منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والوحدة الأوروبية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، والقمة العربية، ودول الجوار والمنطقة، التي عاملتها واشنطن باحتقار وازدراء في أعقاب "النصر"؟
هذه الأسئلة الحاضرة الغائبة في أجندة مؤتمر شرم الشيخ، حيث الوضع الأمني القاسم المشترك الأعظم، وحيث الاحتلال الغائب الأعظم. فالأجندة كجميع الأجوبة المطروحة حول العراق جواب يطرح أسئلة. وهذا هو مصدر الفصام الذهني للبيان الختامي للمؤتمر، بدءاً من بنده الأول، الذي لا يذكر ما مناسبة تأكيد بديهيات "الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية للعراق.. وحق الشعب العراقي في حياة مستقرة وآمنة، وحقه في تحديد مستقبله بحرية بالوسائل الديمقراطية"، والتهافت المنطقي والقانوني في البند الخاص بالقوة المتعددة الجنسيات، الذي يذكر أن "ولايتها ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية"، لكنه يجبن عن تشخيص طبيعتها وعواقب وجودها كقوة معتدية انتهكت القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة؟ هذا ليس ماضياً عفا عليه الزمن، بل جريمة مستمرة تتصدر الأخبار يومياً حول العالم. وما هذا البند السريالي، الذي "يؤكد مجدداً أهمية علاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"؟ الاضطرابات داخل الدولة اليوغوسلافية السابقة اعتبرتها الدول الأوروبية المجاورة تهديداً لأمنها وتدخلت عسكرياً فيها، في حين لا يحق لدول الجوار العراقي التدخل في شؤون تهددها بالخطر من قوات قادمة من وراء البحار، خارجة على القانون الدولي، وتحتل أراضي جارتها وشقيقتها العراق!
وكيف لم يخجل الموافقون على البيان من تخصيص 4 بنود لمواضيع "الإرهاب" والاغتيالات وأعمال العنف، "بما في ذلك ضد المدنيين الذين يعملون لشركات محلية أو أجنبية تعمل على إعادة بناء العراق"، من دون أيّ ذكر لمئة ألف عراقي مدني قتلتهم قوات الغزو والاحتلال، حسب استقصاءات الفريق الطبي العراقي الأميركي. وماذا بشأن إحصاءات وزارة الصحة العراقية حول موجة الأمراض المستفحلة، التي أوقعت ضحايا بين السكان المدنيين أكثر من النزاع المسلح؟ وهل اطّلع المشاركون في المؤتمر على التقرير الدولي حول الزيادة ضعفين في عدد الأطفال العراقيين المصابين بأمراض نقص التغذية؟ أعلنت ذلك هذا الأسبوع نتائج البحث المشترك لوزارة الصحة العراقية، ومعهد "العلوم الاجتماعية التطبيقية" في النرويج، و"البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة"، الذي كشف عن إصابة نصف مليون طفل عراقي في أعمار ما بين عمر 6 شهور و5 أعوام بمرض نقص التغذية. هذا العدد الضخم من ضحايا أطفال العراقيين يدل على "الطابع الإبادي للاحتلال"، في تقدير "ديريك أدريانسنس"، المحقق في "المحكمة الدولية عن العراق" في بروكسل، وهي منظمة حقوقية أسسها 3 آلاف قاض ومختص في لقانون وعسكري سابق ومفكر من مختلف دول العالم. نصف مليون طفل مصاب بنقص التغذية يعادل نحو 10 في المئة من مجموع أطفال العراق، ويشير إلى اتجاه تدهوري حاد عن الوضع ما قبل الحرب. ذكر ذلك "ألكساندر ماليافين"، مستشار الصحة في "صندوق الأمم المتحدة للأطفال" (اليونيسيف). ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن "ماليافين"، الذي عمل سنوات عدة في العراق أن "برنامج النفط للغذاء" ضاعف خلال 7 سنوات قبل الحرب الحصة الغذائية للفرد العراقي ضعفين، وخفض إلى النصف نسبة الأطفال المصابين بنقص التغذية. وتعصر القلب مشاهدات "واشنطن بوست" داخل مستشفيات الأطفال في بغداد. تجسد هذه المشاهد، حسب الصحيفة الأميركية استنتاجات "المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية" في واشنطن حول السرعة القياسية لتدهور الرعاية الصحية مقارنة مع التدهور في 5 قطاعات رئيسية لإعادة إعمار العراق.
ولا ذكر لفاجعة الفلوجة في بيان مؤتمر شرم الشيخ، الذي شارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة وزعماء المنظمات الدولية والإقليمية وممثلو 27 دولة. نداء الاستغاثة، الذي وجهه سكان الفلوجة مطلع الشهر الماضي إلى "كوفي عنان" منشور بالإنجليزية في مئات مواقع الإنترنت حول العالم، ويحمل تواقيع ممثلي مجلس شورى الفلوجة، ونقابة المحامين، واتحاد المعلمين، ومجلس زعماء القبائل، ودار الفتوى والتربية الدينية، ومركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية.
وآخر ملفات جرائم الحرب المستمرة في الفلوجة تضمنتها دراسة "منع الماء عن المدن العراقية"، التي أصدرتها "جامعة كيمبردج" ف