هل يعرفهم أحدنا؟...
عطاء، عمل مخلص، تميز في مواقع عمل مهما كانت نوعية العمل وصعوبته أو مشاقه أو حتى ماذا يكون هذا العمل في أصله وتفاصيله.
وبكل استهتار الغرور وحمقه وتسلطه لأنه صاحب السلطة المتمكنة من قبل من شاء أن يذهب نحو هذا الموظف ليواريه الغبار، ويبحث عن شق ما يضع كل هذا العمل فيه ويغلقه بأي غراء متاح، المهم أن أحداً لن يرى غير شق يعيش منذ زمن بعيد وكأنه الاعتياد لا العكس.
أين يذهبون؟
فهذا المتسلط أودى باقتدار بحياة كثيرين وجعلهم مجرد أشباح لا مكان ولا قيمة لهم، لتتحول قيمة العمل في ذاتها إلى مجرد راتب شهري يستضيفه البنك وكفى.
ويزداد الأمر سوءاً حين يخيل لذلك المهووس بالسلطة والخائف من أن أحداً سيسرق مكانه حين يوغل في إجراءاته المتعسفة ويتعامل كأنه الأبدي وعلى الآخرين أن يخافوا كونه شمساً لا تغيب.
وما يزيده جهلاً أنه جاهل بأهمية نجاح موظفيه الذي يعني أنه مسؤول ناجح.
فلم يفكر أبداً في أنه يحتاج إلى شيء من ثقة لينجح أكثر، ما حدث ويحدث أنه يمارس جهله باقتدار حين يرمي الناجحين بالنار دون قليل من تفكير أو تردد.
ويحترق أكثر الذين يفهمون جيداً ما هو عمل وما هو إبداع مهما كنت وكانت وظيفتك...
وعندما يوشك العمر الافتراضي - لهذا المسؤول- على الانتهاء يزعم أن العمل سينهار وأن عليه أن يبقى أكثر ولا يعلم أن آهات الارتياح ستلاحقه أينما ذهب لأن أحداً لم يحب وجوده ولم يكن يحتمل أن يجاهر بهذه الضغينة، التي تعني أنه لم يكن سوى ظل ثقيل لا أكثر ولا أقل.
ويبقى المحترق لجهده وإبداعه رهين عجز مديره واضطهاده له لمجرد أنه متميز وكفؤ، كأن العطاء والأمانة والتميز صارت اتهاماً لابد وأن يتم التخلص من وصماته، واللجوء إلى مسالك أخرى تتيح أكثر فرص الانطلاق نحو البلادة وحرق البخور، والتذلل لمن لا يستحق سوى الإبادة الناجحة والمتمكنة من إنقاذ السفينة قبل غرقها الأخير.
ورغم كل شيء يرفعون شعار "باقون"، "صامدون" لأن هزيمتهم تعني أنهم يتخلون عن حقهم الطبيعي في العمل بإخلاص وحق الوطن الذي يحتاج إلى نوعية هؤلاء.
لو كان المسؤول يمتلك شيئاً من إحساس بتقدير العمل، والتغاضي عن المصالح الخاصة والأنا المتضخمة كأخطبوط جاهل، لكان في الأمر حديث آخر، لكن لأن البعض لم يتعلم بعد من أحداث التاريخ، فكان لابد أن يستمر احتراق الرائعين وبقاؤهم، فلربما كانت فرصة إضاءة العتمة ممكنة وقريبة وحاسمة في إعادة الميزان إلى اتزانه الأصيل والفعلي والذي لن يترك الفرصة متاحة للخراب أن يكون هو سيد المكان والآخرون مجرد ذكرى.