التيارات التي تتبع منهج خطف وقتل الغربيين وتعتبر ذلك "جهادا" واجباً لابد أن تنخرط فيه الأمة كلها، تتجاهل أن لدى الآخرين متطرفيهم أيضاً الذين يمكن أن يقتلوا ويخطفوا المسلمين الذين يعيشون في بلادهم ويعتدوا على مساجدهم ومدارسهم ومنازلهم. فبعد مقتل المخرج الهولندي "ثيوفان جوخ" على يد شاب من أصل مغربي مؤخراً، وبعد أن قالت التقارير إن خلية أصولية إسلامية في هولندا هي التي أعطته الأوامر بذلك، تعرضت المدارس والمساجد في العديد من المدن الهولندية إلى الاعتداء من قبل هولنديين غاضبين، والأمر نفسه حدث بعد ذبح المخطوفين النيباليين في العراق منذ فترة، حيث تعرض المسجد الكبير في نيبال إلى الحرق انتقاماً لمقتلهم، كما حدث ذلك في الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. والمبرر المستخدم في الاعتداءات على المسلمين في هولندا أو النيبال أو الولايات المتحدة هو نفسه الذي يحكم بخطف أو ذبح المواطنين الأجانب في العراق أو غيرها، وهو الانتقام الذي يدفع ثمنه أناس أبرياء على الجانبين لا ذنب لهم إلا أنهم مسلمون أو نيباليون أو بريطانيون أو أميركيون.
إن المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الذين يعدون بالملايين، وكنا نعول عليهم في أن يكونوا جسراً ثقافياً ومصلحياً بيننا وبين الغرب وأداة للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المجتمعات التي يتواجدون فيها، هم أكثر المتضررين من أفعال بعض متطرفينا، لأنهم هم الذين يتعرضون إلى الانتقام والتعسف والتهديد في حياتهم وأرزاقهم وحرياتهم، كما أنهم هم الأكثر إحساساً بما يتعرض له الإسلام كدين من تشويه لصورته في مجتمعاتهم واتهامه بأنه دين التطرف والإرهاب والقتل والذبح. ولهذا فإنهم قد أصبحوا يأخذون زمام المبادرة في الدفاع عن أنفسهم، بعد أن خذلهم المسلمون في البلاد الإسلامية وشوشتهم فتاوى الفضائيات العربية، وضغطت عليهم شرائط بن لادن والظواهري وغيرهما. ومن هنا نرى مسلمي فرنسا يتخذون موقفاً قوياً تجاه خطف الصحافيين الفرنسيين في العراق، ما أشاع جواً من الارتياح تجاههم من قبل الفرنسيين، ومسلمي بريطانيا يشكلون وفدا ذهب إلى العراق منذ فترة لمحاولة الإفراج عن رهينة بريطاني، هذا إضافة إلى بعض الإرهاصات بين أوساط المسلمين في أوروبا الداعية إلى تشكيل رجال دين من بينهم لديهم القدرة على قراءة الأوضاع في مجتمعاتهم ومخاطبة الناس بلغتهم في فتاواهم ومواقفهم الدينية ولسان حالهم يقول لقد مللنا من رجال الدين المستوردين من البلاد الإسلامية الذين لا يعرفون شيئاً عن واقع مجتمعاتنا أو طريقة الحياة فيها. هكذا أخذ المسلمون في الغرب زمام المبادرة ليدافعوا عن وجودهم وعن دينهم بأنفسهم، وهم الأقدر على ذلك.
انظروا ماذا فعل "جهاد" المتطرفين بنا، لقد استعدى العالم ضدنا، وقسم المسلمين إلى فرق وجماعات، ووضع حاجزاً بيننا وبين مسلمي الغرب الذين سعينا لسنوات إلى استثمارهم في خدمة مصالحنا وقضايانا.
عادل إبراهيم - الخرطوم