يبدو أن الرئيس جورج دبليو بوش في طريقه إلى أن يتخذ موقعه كأكثر الرؤساء جرأة واقداماً في التاريخ الأميركي. وعما إذا كان يتصف بالحكمة أيضاً فهذا أمر من المحتمل أن يظل مثار تساؤلنا إلى فترة أربعة أعوام أخرى. ولكن التغييرات التي أجراها على فريق عمله في الأيام الأخيرة الماضية قد جعلت من الواضح أنه يخطط لبسط نفوذه وسلطاته إلى أقصى حد ممكن. وعبر إرساله مستخدميه في البيت الأبيض لكي يديروا ثلاثا من أهم الوزارات في حكومته فإن بوش قد عمد إلى تركيز سلطة البيت الأبيض وبشكل لم نشهده منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي كان قد تميز بالثلاثية التي أطبقت نفوذها على الحكومة والمكونة من بوب هالديمان وجون ايهلريشمان بالإضافة إلى هنري كيسنجر. أما الرئيس بوش فبات من الواضح عزمه الأكيد على إدارة حكومته عبر الثلاثية الخاصة به والمكونة من ديك تشيني وكارل روف وكونداليزا رايس.
وبالإضافة إلى ذلك فهو يؤمن بأن لديه تفويضا بتنفيذ أجندة ثورية، فالرؤساء المحافظون في التاريخ الأميركي مثل آرثر شليزينجر الابن كان يميل إلى نوع من التصلب على عكس رؤساء مثل دويت ايزنهاور ونيكسون ورونالد ريجان الذي قبل بتوسعات في حكومته كان قد نفذها سابقوه من الرؤساء الليبراليين. ولكن الرئيس بوش هو الرئيس المحافظ الأول الذي تمضي سياسته بشكل تدريجي في التنصل من الالتزامات الرئيسية الكبرى مثل الضمان الاجتماعي والتدرج في مسألة الضرائب. وأصبح من الواضح أن بوش يرغب في انتهاج وتلمس خطى وينستون تشرشل في أن القادة العظماء يتعين عليهم السعي لتحقيق أهداف عظيمة. بل بات من الواضح أيضاً أن الرئيس لا يرغب في أقل من تعزيز إصلاح حكومته وتحقيق بسط سيطرة الجمهوريين على السياسة الأميركية وضمان بسط النفوذ الأميركي ولفترة طويلة قادمة على مقدرات العالم بأكمله.
وعبر إعادة تشكيل فريقه العامل في الفترة الرئاسية الثانية فإنه لربما كان يتصرف ضمن حدود صلاحياته طالما كان الرئيس يتمتع بشكل تقليدي بحق اختيار أي شخص يرغب فيه لشغل منصب في وزارته بمن فيهم أعضاء من مستخدمي البيت الأبيض. وكان الرئيس نيكسون قد عمد بعيد عودته لفترة ثانية إلى تعيين أحد هؤلاء المستخدمين، هنري كيسنجر كوزير للخارجية وتسمية خمسة أعضاء آخرين في مناصب وزارية مساعدة بينما لجأ الرئيس ريجان إلى تعيين أعضاء من مستخدميه في البيت الأبيض أيضاً من أمثال جيمس بيكر وادوارد ميس في مناصب وزارية مهمة وكذلك بيل كلينتون الذي رقى أحد مستخدميه اليكسيس هيرمان إلى منصب وزاري. وجميع أولئك المستخدمين في البيت الأبيض قد أثبتوا جدارتهم كوزراء وقد أدوا خدمات جليلة لتلك الوزارات التي اضطلعوا بمسؤولياتها. ويبدو أن قدرتهم على التحدث بصوت الرئيس قد أدت دائماً إلى تعزيز سلطانهم ونفوذهم.
ولكن جميع هؤلاء الرؤساء السابقين ربما يحسدون الرئيس بوش على جرأته في الرغبة في إسكات الأصوات المتمردة داخل وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، فلأكثر من نصف قرن من الزمان ظل البيت الأبيض يجأر بالشكوى ويعاني من القيود التي تفرضها وكالة الاستخبارات· أما في وزارة الخارجية فقد علق أحد كبار الموظفين فيها في الأسبوع الماضي بأنه يمنح كولن باول 9.5 من 10 على أدائه بينما لا تستحق إدارة بوش أكثر من درجتين. وهو ما يؤكد أن الوزيرة رايس سوف تواجه تحديات هائلة في سبيل وضع الشؤون الخارجية في موضعها اللائق السابق.
على أن تصرف الرئيس بوش ضمن صلاحياته لا يعني بالضرورة أنه على صواب، فالمخاوف قد بدأت تسري في أوساط معظم المنتقدين من أن التغيرات التي طالت فريق الأمن القومي تشير بوضوح إلى انتهاج خط أكثر تشدداً وعدائية نحو العالم. ولربما كان ذلك صحيحاً ولكننا لن نستطيع اغفال الأصوات الواردة من الداخل والتي تفيد بأن الرئيس يرغب حقيقة في إيلاء اهتمام أكبر بالدبلوماسية. ولا شك أن جميعنا يتذكر كيف أن ليندون جونسون قد وجه تحذيراً إلى فريقه العامل بعد اكتساحه لانتخابات عام 1964 بأن أمامهم عاماً واحداً فقط لحسم المشاكل المحلية. وتخيل نفسك في مكان أحد العاملين في فريق الرئيس الحالي فلابد أنك تحتاج إلى عامين كاملين من الهدوء في الجبهة الخارجية حتى تستطيع بعد ذلك التركيز على الأجندة المحلية (ناهيك عن المشاكل الراهنة في العراق وإيران وكوريا الشمالية).
على أن أكثر المخاطر الماثلة التي أضحت تواجه الرئيس بوش وثلاثيته الجديدة هي إمكانية وقوعه في غرور إعادة انتخابه كرئيس. فعندما يفوز الرؤساء بالانتخابات الأولى سرعان ما يتملكهم والفريق العامل معهم شعور بأنهم قد أصبحوا ملوك الدولة، أما عندما يفوزون بالفترة الرئاسية الثانية عادة ما ينتابهم شعور بأنهم أضحوا أسياد الكرة الأرضية. وكما أشار الكاتب المعروف ريتشارد نيوستادت فإن حتى أفضل الرؤساء المحدثين فرانلكين روزفلت لم يستطع أن يمنع نفسه من الوقوع في براثن هذه الورطة عندما أعيد انتخابه في عام 1936. وسرعان ما شرع في تصرفات تتميز بكثير من المبالغة والتجاوز