بعد أن هدأت عاصفة انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة وانجلت عن فوز الرئيس جورج دبليو بوش بولاية ثانية، لابد وأن تبرز أمام المراقب مجموعة ضخمة من التساؤلات المهمة حول الأجندة السياسية للرئيس المعاد انتخابه. وبالتأكيد فإن تلك التساؤلات لابد وأن تطال الصعيدين الداخلي والخارجي. ولكن بالنسبة لمواطن ينتمي إلى دول مجلس التعاون الخليجي لابد وأن يكون السؤال المتعلق بسياسة الولايات المتحدة القادمة في الخليج هو السؤال الرئيسي الذي تدور حوله كافة الأسئلة الأخرى المتعلقة بتوجهات السياسة الأميركية في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي.
وبرغم مضي حوالى ثلاثة أسابيع على انتهاء الانتخابات إلا أن الأحاديث والتصريحات المحددة حول السياسة الأميركية القادمة في الخليج لم تسمع بعد، باستثناء ما يعلن ويتم التصريح به حول شؤون العراق. وهذا بالتأكيد مثير للدهشة لأن الخليج بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والشرقيين ذو أهمية كبيرة جداً نظراً لما يحويه من مخزون نفطي يحتاج إليه العالم أجمع، في وقت وصلت فيه أسعار النفط الخام إلى مستويات قياسية. فهل هذا يعني أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الخليج لن يطرأ عليها تغيير؟ أم أن الولايات المتحدة تعتقد أن الوضع في الخليج على خير ما يرام ولا يحتاج منها إلى أن تركز عليه كثيراً في هذه المرحلة؟.
وبالتأكيد لن يستطيع الإجابة على مثل هذه التساؤلات سوى أصحاب السياسة الخارجية ذاتهم. ولكن من المهم التذكير بأن ما يحدث في العراق هذه الأيام على ضوء تصاعد العنف فيه لابد وأن تكون له انعكاساته الخطيرة ذات الدلالات القوية على كامل المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، بما في ذلك منطقة الخليج. فإذا ما هدأت الأوضاع هناك فإن الخليج بكامله سيهدأ. إن الإنسان يأمل في أن يعم السلام العراق في القريب العاجل حقناً لنزيف الدم الذي يسيل على كل شبر من أرضه، ورأفة بشعبه الذي لم ينعم بالأمن والسلام لأكثر من ربع قرن.
إن الملفت للنظر هو أن الرئيس المعاد انتخابه صرح بعد يومين من انتهاء الانتخابات بأن أحد الأهداف الرئيسية التي ستعمل إدارته على تحقيقها هو نشر الحرية في هذا العالم، وإن كان ذلك ضد مشيئة أولئك الذين لا يوافقون على سياسة تدخلية من هذا القبيل. لقد قال بالتحديد إن إدارته لديها إيمان راسخ بأن الحرية ستؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير عادات الشعوب التي تصل إليها، لذلك فإن نشرها سيكون محورياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهذه الإدارة لديها التأييد الشعبي اللازم لكي تحقق ذلك.
إن هذا التصريح بحد ذاته مثير للكثير من التساؤلات لدى دول العالم النامي، فما هو المقصود بنشر الحرية بالتحديد، وأياً من مناطق العالم والدول ستنشر فيها؟ وبأي الوسائل سيتم نشرها؟ فهل يقصد بالحرية نشر مبادئ الديمقراطية على النمط الغربي القائم على الليبرالية؟ وهل المناطق المقصودة بالتحديد هي العالم العربي وجواره الجغرافي ودول آسيا الوسطى الإسلامية؟ وهل سيتم نشر الحرية المقصودة بقوة السلاح أم بالطرق السلمية، وكيف سيحدث ذلك؟
إن نشوة النصر الانتخابي الذي تحقق تجعل من الممكن جداً الاستمرار في السياسة الخارجية التي تم اتخاذها خلال الأربع سنوات الماضية والتي تم استعراض القوة العسكرية للولايات المتحدة فيها بشكل لم يسبق له مثيل منذ حرب فيتنام. ويقابل ذلك أن من الممكن العودة إلى الطريقة التقليدية التي اتبعت في إدارة السياسة الخارجية إلى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد يكون سبب العودة إلى الأسلوب الأخير هو اكتشاف محدودية استخدام القوة العسكرية المنفردة للولايات المتحدة على ضوء ما يحدث في العراق منذ بداية الغزو الأميركي له عام 2003 إلى هذه اللحظة. إن الأمر الأخير هذا قد يقود بالفعل إلى استخدام سياسة خارجية على الصعيد العالمي أقل عنفاً مما حدث خلال العامين الماضيين.