قد يعتبر البعض أن الحديث عن نتائج الانتخابات الأميركية صار متأخراً اليوم بعد أسبوعين من انتهائها وإعلان الفائز فيها. ولكن قد يكون ذلك صحيحاً في حالة واحدة فقط، وهي عندما يكون حديثنا عن الانتخابات كحدث منفصل لا تترتب عليه نتائج وأحداث كثيرة. لكن في حالة الانتخابات الأميركية التي لا تنافسها انتخابات في العالم من ناحية الاهتمام الدولي بها وبنتائجها المهمة، فإن الحديث يستمر ويطول لأنها انتخابات لها تأثيرها العميق في العالم بأسره، لذا لاحظنا كيف كان الاهتمام الدولي الرسمي والشعبي بهذه الانتخابات وبصورة ملفتة. وقد سهر الكثيرون في منطقة الشرق الأوسط حتى ساعات الليل المتأخرة ينتظرون معرفة نتائج الانتخابات التي لم تظهر إلا في اليوم التالي، وكانت النتائج مريحة للبعض ومحبطة للبعض الآخر.
عاد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية رضي من رضي وغضب من غضب. ولم يكتفِ الجمهوريون بذلك بل غطى لون حزبهم الأحمر على مجلسي النواب والشيوخ ليكونوا الأغلبية فيهما وليكون القرار الأميركي جمهورياً احمر بأغلبه.
لقد فشل الديمقراطيون في الوصول إلى البيت الأبيض على الرغم من أنهم استخدموا جميع الأساليب والخطط وفشلوا في تشويه صورة بوش إعلامياً. أما الرأي العام الأميركي من خلال الحملة الإعلانية التي قاموا بها قبل يوم التصويت فوضعوا صورة بوش وهو يمزح بشأن الفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق بجانب صورة سيدة تبكي وفاة شقيقها الجندي خلال حرب العراق ورغم ذلك اختاره أغلب الأميركيين كي يكون رئيسهم المقبل وتركوا كيري الذي لم يقنعهم جانباً.
حاول الديمقراطيون الاستفادة من تصريحات المبشر المسيحي بات روبرتسون الذي يقول إنه حاول تحذير بوش قبل الحرب على العراق وطالبه بإعداد البلاد للخسائر التي ستقع هناك ويزعم أن رد بوش كان أنه لن تكون هناك خسائر.. وكان تعليق الديمقراطيين الساخر: "لا خسائر؟ إنه نفس الرئيس الذي قال إن المهمة انتهت في العراق ووعد بملايين الوظائف وبتكاليف أقل للرعاية الصحية". وإعلان تلفزيوني آخر يقول بصوت عميق:"إذا كنت تفكر في التصويت لصالح بوش.. فكر في هذا" ثم يبدأ في قراءة سلسلة من الشكاوى بدءا من الجنود الأميركيين الألف الذين قتلوا في العراق إلى مشكلة البطالة المستعصية... ورغم كل ذلك اختار الأميركيون جورج بوش من جديد.
بالتأكيد أن أغلب السياسيين الذين يتابعون ويعلقون على الانتخابات الأميركية يقولون إنهم توقعوا فوز الرئيس بوش وهذا ليس مهماً وخصوصاً أننا كنا نتابع الانتخابات ساعة بساعة ولاحظنا كيف أن المنافسة كانت شديدة بين بوش ومنافسه الديمقراطي جون كيري الذي لم يكن بحاجة إلى وقت طويل كي يعترف بالهزيمة النكراء التي مني بها.. ورغم أن الولايات المتحدة كانت منقسمة إلى قسمين بل نصفين حتى اليومين الأخيرين من يوم الثاني من نوفمبر الماضي - يوم التصويت- إلا أن ظهور أسامة بن لادن قبل أربعة أيام من التصويت في آخر إصداراته المرئية كان أحد الأسباب الرئيسية التي رجحت كفة جورج بوش وحولت المجموعة الكبيرة من الناخبين المترددين إلى صف بوش لتعلن صناديق الاقتراع فوزه واستمرار بقائه في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية.
جورج بوش الابن سيحكم العالم لأربع سنوات قادمة وحتى هذه الساعة لا نعرف ما هي المفاجآت التي يخبئها لنا هذا الرئيس المثير للجدل والمحارب الأول للإرهاب والإرهابيين الذين قويت شوكتهم بعد وصوله إلى الحكم ولم يكشروا عن أنيابهم إلا في عهده... .فالعالم صار بحاجة إلى العودة إلى الهدوء والاستقرار والأمن والأمان كي يستطيع كل بلد التركيز على قضاياه الداخلية وهموم المواطنين الذين انشغل عنهم الجميع لصالح الاهتمام بالحرب على الإرهاب ومطاردة الإرهابيين.
بعد انتهاء الانتخابات الأخيرة اتضح أن ما تتجه إليه الإدارة الأميركية في سياستها الخارجية ليس هو خيار أعضاء هذه الإدارة فقط كما كان يعتقد الكثيرين في السابق وإنما هو خيار أغلبية الشعب الأميركي الذي أعطى صوته في هذه الانتخابات لجورج بوش، ما يعني أنه صدق على كل ما قام به وفوضه كي يقوم بما يشاء في المرحلة المقبلة... وأمام هذا الاختيار وهذا الاتجاه لا يمكننا إلا أن نحترم رغبة الشعب الأميركي الذي يعرف أين تكمن مصلحته بالضبط، والذي ربما اكتشف في الأيام الأخيرة أن جون كيري لا يحمل مفاتيح تحقيق الرغبة الأميركية، ولا الهموم الأميركية في المرحلة الحالية والمقبلة وعرف أن تلك المفاتيح ما تزال بيد الرئيس بوش فوقع الاختيار عليه...
بلا شك أن الشعب الأميركي يعرف أنه اختار نيابة عن شعوب العالم الرجل الذي سيحكم الأرض خلال السنوات الأربع المقبلة، وبالتالي عليه أن يركز جدياً فيما يقوم به الرئيس بوش ليس في الشأن الداخلي وإنما في الشأن الخارجي والسياسة الخارجية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط... ويأمل العالم أن يكون اختيار الشعب الأميركي سليماً، وأن تكون الفترة الثانية لولاية بوش وهي الفترة ا