يستمتع "راي كوب" كثيرا بقيادة العينة الجديدة من سيارة "هوندا" التي تعمل بطاقة الهيدروجين, لدرجة أنه أمل في أن يقود إحداها إلى بيته قريبا. ولكنه ما أن تذكر أن ديباجة السعر الملصقة في السيارة تشير إلى الرقم 1,5 مليون دولار, حتى ذهبت أمانيه أدراج الرياح. يذكر أن "راي كوب" يعمل اقتصاديا لدى مؤسسة "موارد المستقبل". وفي خيبة أمل "راي" هذه, تكمن مشكلة الطاقة الأميركية بأسرها. فلما كانت الولايات المتحدة الأميركية لا تزال بعيدة جدا عن إحداث تغيير جذري في نمط قيادة السيارات ومصادر طاقتها, فإنه لن يكون في مقدورها تحقيق استقلاليتها في مجال الطاقة, دون إنفاق مليارات الدولارات على المبادرات الجديدة. وحتى اليوم لا يوجد اتفاق سياسي حول إنفاق هذه الأموال, على رغم تكرار الوعود على امتداد عدة عقود بخفض الواردات النفطية للبلاد. بيد أن خططا جديدة يجري تبنيها الآن, ربما أدت إلى تغيير في موقف المشرعين القانونيين.
تأكيدا لصحة هذه المبادرات يقول "بيل بريندل" عضو المجلس الأميركي لاقتصاد كفاءة الطاقة بـ"واشنطن. دي. سي" إن استقلال أميركا في مجال الطاقة أمر ممكن من الناحية الفنية البحتة. ولكن مجموعة الأسئلة التي تجب الإجابة عليها هي: كم سيكلف هذا الاستقلال؟ ومتى يمكن تحقيقه وبأي سرعة ممكنة, وأي نوع من التضحيات السياسية والاقتصادية يجب تقديمها؟ ذلك أن تحقيق استقلال الطاقة, يعني تجهيز السيارات بمعدات وأجهزة مغايرة عن تلك المعمول بها الآن. كما في وسع الفحم الحجري والغاز وغيرهما من مصادر الطاقة المحلية البديلة الإيفاء التام بحاجة الولايات المتحدة من التدفئة والإنارة في المصانع والمكاتب والبيوت. غير أن نسبة ما تصل إلى 70 في المئة من إجمالي طاقة النفط, يجري استهلاكها في مجال النقل وحده, مع ملاحظة أن أربعة أخماس هذه النسبة يجري صرفها على السيارات الصغيرة والشاحنات. لذا فإن تغيير هذه السيارات والشاحنات بمحركات بديلة سوف يكون أمرا في غاية الصعوبة. ولا تزال السيارات التي تعمل بطاقة الهيدروجين في طورها الأولي النموذجي, مما يعني أن دخولها الفعلي إلى مجال الخدمة, يحتاج إلى بعض سنوات من الوقت الحالي. أما السيارات التي تستخدم وقودا مزدوجا, فهي قد تساعد في التخفيف من وطأة الاعتماد الكلي على وقود النفط, غير أنها لن تحل المشكلة كليا. وهناك البدائل الأخرى المتمثلة في التقليل من ساعات السواقة نفسها, إلا أن هذه البدائل تثير في النفس تلك الذكريات غير المريحة عن حقبة سبعينيات القرن الماضي, عندما تأثرت البلاد بحملة المقاطعة النفطية من قبل الدول العربية المنتجة للنفط.
وحتى اليوم, فإن الثلاثة عقود الماضية من قيادة السيارات التي تقطع 55 ميلا في الساعة من ذلك النوع الصغير غير الآمن والبطيء من السيارات- وفقا لأحد التقارير الصادرة مؤخرا- لا يزال يؤرق المستهلكين ويرون فيه خطوة للوراء نحو تحقيق الحلم الأميركي. بديلا لذلك كله, هناك حزمة من المقترحات الجديدة, تشير إلى شيء مختلف جدا, وتتمثل هذه في الاستثمارات المالية الفيدرالية الثقيلة في مجال التقنيات الحديثة.
اسم هذه المقترحات الجديدة هو "مشروع أبولو الجديد" الذي تدعمه مجموعات العمل والبيئة. وقد صمم هذا المشروع وفقا للجهود التي ظلت تبذلها أميركا منذ نحو عقد كامل لإرسال طاقم بشري فضائي مجددا إلى القمر, وخصصت للمشروع ميزانية تبلغ قيمتها 300 مليار دولار على امتداد عشر سنوات, على أن تستثمر هذه الميزانية في عدد من مشروعات الطاقة المتنوعة, التي تشمل تصنيع السيارات التي تعمل بالطاقة المزدوجة, والمصانع, وصولا إلى القاطرات فائقة السرعة. والنتائج المتوقعة لهذا المشروع هي إنشاء 3,3 مليون وظيفة جديدة, نزول حوالي 91 مليون سيارة جديدة ذات سرعة أكبر إلى الطرق الأميركية, مدخرات مالية تصل قيمتها نحو 248 مليار دولار هي حصيلة الحد بنسبة 16 في المئة من استهلاك الطاقة, علاوة على خفض واردات النفط الخليجي بنسبة 54 في المئة على أقل تقدير.
في الاتجاه ذاته, يؤكد "روبرت بروسويج" رئيس "معهد المستقبل الأميركي" وهو المعهد الداعم للمشروع قائلا: إنه يتعين على الولايات المتحدة الأميركية أن تعلم أن لحظة قفزتها الكبرى نحو توفير مصادر الطاقة المستدامة قد حانت, وأنه في استطاعتنا أن نرى من الآن استقلال أميركا في مجال الطاقة على المدى البعيد. أما على المدى القريب, فلا يزال في الإمكان خفض معدل اعتماد أميركا على الغير في تغطية احتياجاتها في مجال الطاقة بنسبة كبيرة. وقال إن هذا الخفض أصبح ضروريا, كي لا نرى الشباب الأميركي وهو يؤدي واجب حراسة أنابيب النفط في العراق وغيرها من الدول الأجنبية المنتجة للنفط.
وعلى الصعيد نفسه, طرحت خطة أخرى في وقت مبكر من مطلع الشهر الجاري, شاركت فيها عدة هيئات ومؤسسات أبحاث استراتيجية محافظة في "واشنطن. دي. سي", من بينها "معهد تحليل الأمن الدولي" و "معهد هدسون" وغيرهما. محور هذه الخطة أن الاعتماد على واردات النفط الأجنبية, يمثل