كانت انتخابات الرئاسة الأميركية للعام الحالي مناسبة تاريخية استطاع فيها الأميركيون العرب أن يرتفعوا لمستوى التحدي. فكما أظهرت نتائج استطلاعاتنا، يتبين لنا أن الشواغل الرئيسية التي تحكمت في موقف الأميركيون العرب تجاه انتخابات هذا العام، هي تلك المتعلقة بالسياسة الأميركية في العراق وفلسطين، والحريات المدنية، بالإضافة بالطبع إلى شواغلهم الأخرى بشأن الاقتصاد، والتعليم، والرعاية الصحية.
والاستطلاع الأخير الذي أجريناه عقب نهاية الانتخابات أظهر أنه بسبب تلك الشواغل، قام الأميركيون العرب بالتصويت بأعداد قياسية من أجل التغيير. حيث حصل جون كيري على 63 في المئة من مجموع أصواتهم، في حين لم يحصل بوش سوى على 28 في المئة..
يذكر أن هناك 70 أميركياً من أصل عربي قد انتخابهم كموفدين عن الحزب الديمقراطي والجمهوري لحضور مؤتمرات الحزبين الرئيسية التي أقيمت في سياق الحملة الانتخابية، قد قاموا بأنشطة رئيسية في اجتماعات الحزبين، وشاركوا بقدر وافر في المنتديات السياسية لهما.
وعلى مدار العام قام الأميركيون العرب بجهود كبيرة من أجل تنظيم الجالية وحشد جهودها من أجل التأثير في انتخابات نوفمبر. وتم في هذا الإطار تنظيم أمسيات للمرشحين تحت رعاية المعهد العربي الأميركي، وتم أيضا تنظيم تجمعات وعقد ورش عمل مدنية، شارك فيها العديدون من أعضاء الجالية،
كما تطوع المئات من الأميركيين العرب للعمل في الحملات الانتخابية، أو الجهود غير الحزبية الدافعة لحث إخوانهم من العرب الأميركيين على المشاركة في الانتخابات، وفي النهاية قاموا بالتصويت بأعداد قياسية.
وهناك 44 أميركيا من أصل عربي قاموا هذا العام بترشيح أنفسهم لتولي مناصب على مختلف المستويات، بدءا من محاولة رالف نادر لترشيح نفسه للرئاسة الأميركية كمرشح مستقل عن الحزبين، وانتهاء بمحاولة (محمد خير الله)الناجحة لانتخابه عضوا في مجلس مدينة بروسبيكت بارك في ولاية نيوجيرسي.
واستطاع أحد الأميركيين العرب وهو (ميتش دانيالز) وهو جمهوري من انديانا أن ينجح في محاولته للفوز بمنصب حاكم هذه الولاية، كي يصبح الأميركي العربي الوحيد الذي يشغل مثل هذا المنصب حاليا.
وفي واحدة من أكثر انتخابات العام إثارة للاهتمام، خسرت فريال المصري وهي ديمقراطية، محاولتها للترشيح لعضوية مجلس ولاية كاليفورنيا. نظرا لأن فريال من أصل سعودي وهاجرت إلى الولايات المتحدة، فإن حملتها استقطبت اهتماما كبيرا من الإعلام الأميركي. وعلى الرغم من معاناتها من قصور التمويل، ومن أنها كانت تخوض معركتها الانتخابية في مواجهة مرشح جمهوري يشغل المنصب حاليا، في ولاية جمهورية في معظمها، فإن فريال المصري تمكنت من الحصول على 41.6 في المئة من مجموع الأصوات.
وعندما يعود الكونجرس لمواصلة اجتماعاته العام القادم فإن أعضاءه سوف يضمون ثلاثة من الأميركيين العرب العائدين إليه بعد أن فازوا في معركة إعادة انتخابهم وهم: الديمقراطي (نك رحال) من وست فرجينيا، والجمهوريان (راي لحود) من ولاية إلينوي، و(داريل عيسى) من كاليفورنيا.. وقد ينضم إليهم عضو رابع هو الجمهوري (شارلز بستاني).
ما يمكن قوله في النهاية هو أن انتخابات عام 2004 قد دخلت التاريخ حيث استطاع العرب الأميركيون كما قلنا في البداية الارتفاع لمستوى التحدي الذي مثلته، وحققوا إنجازات يمكن أن نفخر بها.
وأولئك الذين يتذكرون تلك السنوات التي لم يكن العرب الأميركيون منظمين فيها، ولم يكن لهم أي دور في الأحزاب التي ينضمون إليها، و كانوا يعانون من الإقصاء والتهميش، وليس لديهم أي فرصة لمناقشة الموضوعات الهامة، يستطيعون الآن إذا ما ألقوا بنظرة على ما تم إنجازه هذا العام أن يدركوا مقدار التقدم الذي حققته الجالية.
التحديات ستبقى ما في ذلك شك، ولكن الأميركيون العرب أظهروا أنهم قد باتوا في موضع يمكنهم من مواجهة تلك التحديات سواء الآن أو في المستقبل.