في دول العالم جميعها يمكن أن تجد نوعيات متعددة من الأداء الإعلامي، فهناك إعلام يتهم بأنه سلبي يعمل باتجاه تكريس أنماط سلوكية سلبية الشباب والمراهقين، وهناك أيضا إعلام إيجابي يتعاطى بجدية مع مشكلات المجتمع، أما إعلامنا العربي فإحدى مشكلاته أنه لا لون له ولا هوية ذاتية إذ أن معظم برامجنا الترفيهية "مستنسخة" من برامج تلفزيونية غربية، شأنها شأن أفلامنا ومسلسلاتنا التي يقال عن الكثير منها تأدباً إنها "مقتبسة" من أعمال أدبية أجنبية. والمشكلة أن إعلامنا لا يقتبس ولا يلتفت سوى إلى البرامج التي تحمل أفكاراً تقليدية لا يتماشى معظمها مع احتياجاتنا المجتمعية، ولكن ندر أن تجد من يستنسخ أو يقلد فكرة إعلامية مفيدة. والمشكلة الأكبر أن كل فكرة مسروقة أو مستنسخة تجد عشرات الفضائيات العربية الأخرى بانتظارها لسرقتها أو استنساخها، وهذا ما حدث في برامج المسابقات الغنائية وبرامج المسابقات الأخرى التي لا تنطوى على قيمة إعلامية تذكر سوى تكريس التواكل والرهان على ضربات الحظ، وهدر قيمة العمل في مجتمعات يعاني معظم شبابها داء البطالة وما تسببه من إحباطات اجتماعية خطرة.
مؤخراً قام بعض من يعانون السمنة في الولايات المتحدة بتقديم برنامج تلفزيوني يكافئ كل مشارك ينجح في التخلص من أكبر عدد من الكيلوجرامات الزائدة، وأبرز ما في البرنامج الجديد أنه يختلف عن البرامج العديدة التي تقدم حول الأشخاص البدينين أو القبيحين، فهو لا يعتمد على العلاج بالجراحات التجميلية بل يشجع خفض الوزن بالطرق التقليدية أي بنظام غذائي صارم وتمرينات رياضية، بحيث يخرج من المسابقة المتبارون أصحاب الأرقام الأقل في تخفيض أوزانهم خلال مدة محددة في حين يحصل الفائز على جسم رشيق ونحو 250 ألف دولار بعد تسعة أسابيع هي مدة البرنامج القاسي الذي يضم مزيجاً من برامج إنقاص الوزن وتدريبات الإرادة. قطاعات كبيرة من شبابنا أثبتت قابليتها للتأثر بشكل هائل بما تقدمه القوالب الفنية الجديدة في الفضائيات العربية، وقد انعكس هذا التأثر في حجم التفاعل مع برامج المسابقات الغنائية التي تحولت في كثير من الأحيان إلى صراعات قطرية بين شباب الدول العربية. ويمكن أن يستغل إعلامنا هذه القابلية للتأثر والتقليد في نشر نماذج قيمية إيجابية بين هؤلاء الشباب، بحيث يمكن أن يتم إعداد برامج جذابة في شكل مسابقات أو غير ذلك للإقلاع عن التدخين ومكافحة السمنة والتطرف وكذلك التخلص من الصور النمطية التقليدية لبعض المهن التي يعزف شبابنا في بعض دول الخليج عن ممارستها وغير ذلك من قضايا مجتمعية يمكن الإسهام في حلها ببرامج إعلامية تتماشى مع منظومة القيم وتتلاقى مع رغبات الشباب في مسايرة روح العصر إعلاميا وتكنولوجيا.