هناك إحصاءات وأرقام تتعلق بصحة الأجيال المقبلة تشعرك بقلق حقيقي. فجمعية الإمارات للسكري تؤكد أن نسبة الإصابة بمرض السكري بين المواطنين تقدر بنحو 24%. وهذه النسبة ثاني أعلى نسبة في العالم. وتحذر الجمعية من أن استمرار معدلات الإصابة بهذه الصورة يعني أن نسبة الإصابة بالسكري ستصل إلى 50% بعد عشرين عاماً فقط أي أن واحداً من بين كل شخصين سيصبح مصاباً بالسكري، وهذه نسبة كارثية بكل المقاييس ونتمنى أن تكون التقديرات بشأنها خاطئة ولكن التمنيات بالطبع لن تكفي لمحاصرة هذا الشبح المرضي المخيف. والمطلوب هو إخضاع هذه التحذيرات لدراسات منهجية واتخاذ إجراءات عاجلة للحد من تفاقم المرض واستئصال ومحاصرة مسبباته خصوصا أن للسكري علاقة بأمراض أخرى تصيب القلب والكلى والعيون، وأيضا لأن بعض مسببات السكري تزداد انتشارا واستفحالا بشكل ينذر بالخطر. ومن هذه المسببات ثقافة الاستهلاك وتفشي أنماط التغذية التي تعتمد على الوجبات السريعة والجاهزة وغياب الرياضة والاعتماد التام على مظاهر حياة الرفاهية مثل مكيفات الهواء واستخدام السيارات الخاصة في كل التنقلات زادت أم قلت، وانتشار الولائم التي نتبارى جميعا في إعدادها وفي كميات كبيرة يفيض فيها الطعام.
السكري ليس وحده الكارثة المرضية التي تهددنا ولكن هناك ظاهرة مرضية ذات صلة وثيقة به، وهي السمنة، حيث تؤكد الإحصاءات أن هناك نحو أربعة آلاف طالب مواطن مصابون بالسمنة التي تعد ثاني أكثر الأمراض شيوعاً بين طلابنا يليها نقص التغذية (الأنيميا) وهذه الإحصاءات مقلقة أيضاً، لا سيما أن السمنة هي بوابة عبور للأمراض المزمنة مثل السكري وضغط الدم والقلب، وهي أمراض تقول منظمة الصحة العالمية إنها ستشكل نحو 80% من الأمراض والمشكلات الصحية في العالم بحلول عام 2025.
هذه الأرقام ليست سرا ولكنها لم تجد ـ حتى الآن ـ الجهة التي تتعاطى معها بقدر ما تمثله من خطورة، خصوصاً أن هذه الإحصاءات ليست سوى إفراز لمشكلات وممارسات معقدة لابد من صيغة تعاون بين المجتمع والجهات الحكومية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية كافة من أجل التعاطي معها بشكل متكامل. في فرنسا على سبيل المثال أصدر البرلمان في أغسطس الماضي قانونا يسري في سبتمبر 2005 ويمنع وضع الماكينات التي تبيع الوجبات الخفيفة الجاهزة والمشروبات الغازية في المدارس، وذلك ضمن خطة شاملة تستهدف مكافحة السمنة. أما في الولايات المتحدة حيث يعتبر الخبراء السمنة "كارثة وطنية"، فهناك عشرات الدعاوى القضائية ضد مطاعم الوجبات السريعة. هذه ليست بالطبع دعوة تحريضية ضد هذه المطاعم وليست بالقطع دعوة لمقاطعتها، ولكنها مجرد أمثلة حول كيفية التعاطي المجتمعي الجاد مع هكذا إشكاليات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية