منذ سبع سنوات تنبأ خبير في صناعة البترول بأن استخراج البترول الخام في العالم سيصل إلى قمته عام 2005، وبعدها سيبدأ في الهبوط بنسبة ثلاثة في المئة سنوياً. وبالنسبة للأسعار كان تقديره أنها ستبدأ في الارتفاع حوالي عام 2010 عندما يشعر العالم بالعدّ التنازلي لرحلة هبوط الاستخراج تلك. وحسب رأيه فإن الباقي من عمر حقبة البترول لن يزيد على الأربعة عقود القادمة، إذ ستصبح عملية استخراج ما يتبقى من البترول بعد أربعين سنة عالية الكلفة وبالتالي غير اقتصادية.
وسواء أأخذنا بنبوءة هذا العالم الجيولوجي أم أخذنا بتوقعات منظمة أوبك المتفائلة والتي تقدر العمر الباقي لحقبة البترول بثمانين سنة فإن طبيعة الموضوع الذي يحتاج للنقاش لن تتغير، خصوصاً وأن النُّذر في الأفق. فها إن الأسعار قد ارتفعت مبكراً، وها إن العالم يقف عاجزاً عن زيادة الإنتاج، وها إن مصادر وافرة جديدة لا تكتشف، وها إن شركات صنع السيارات تؤكد أن السيارات المسيّّّّّّرة بمادة الهيدروجين ستنزل إلى الأسواق بعد خمس سنوات. إنها صورة لوضع يحتاج إلى تمعُّن شديد بالرغم من مظاهر البشائر والفرح التي تطلقها وسائل إعلام دول البترول بمناسبة صعود الأسعار في الآونة الأخيرة.
إن الجواب على الزيادة في عائدات البترول ليس في العقلية الريعية وتوزيع فتات الغنائم على شكل هبات ومكرمات وعيديات، ولا على شكل تبذير صبياني عبثي في مشاريع مؤقتة بذخية، وهو ما تنادي به بعض الحكومات ومجالسها النيابية وصحافتها في دول مجلس التعاون على وجه الخصوص. وإنما هو في طرح الأسئلة المستقبلية الصعبة التي تحفر في الأعماق. فما الذي يجب فعله في العقود الأربعة أو الثمانية القادمة للانتقال من اقتصاد عائدات البترول إلى اقتصاد الجهد والإنتاج والمعرفة. في اعتقادي أن الإعداد لذلك الانتقال القريب جداً يتطلب أن توجه معظم الفوائض نحو الحقول التالية:
أولا: إجراء تغييرات جذرية في حقول إعداد المواطن العلمي والثقافي. إن هناك حاجة إلى إصلاحات كبرى في حقل التربية والتعليم على الأخص، وهي إصلاحات ستكون مكلفة للغاية إن هي توجهت للكيفية والجودة والإتقان في المدرسة والجامعة وخارجهما. ولقد قُدمت منذ سنة مقترحات محدّدة إلى قادة دول المجلس أثناء مؤتمر القمة الخليجي في الكويت. وتنفيذ تلك المقترحات الجذرية الكثيرة سيحتاج للمال الوفير ولفترة بضعة عقود. والأمر نفسه ينطبق على حقلي الثقافة والإعلام المكمّلين للتربية والتعليم واللذين سيحتاجان إلى إخراجهما من ورطة البلادة والضحالة التي يعيشانها حالياً في دول المجلس.
ثانيا: هناك أعداد هائلة من المواطنين الذين يحتاجون لإعادة تدريبهم وتأهيلهم لمتطلبات سوق عمل الاقتصاد القادم. وسيكون من المستحيل على مجتمعاتنا الفكاك من الاقتصاد الريعي دون هذه الخطوة التي هي الأخرى ستحتاج إلى بضعة عقود ومال وفير.
ثالثا: هناك حاجة إلى التعاون الوثيق مع القطاع الخاص الوطني على الأخص لبناء قاعدة اقتصادية صناعية- معرفية- خدمية قادرة على الاستمرارية والنمو والمرونة في المستقبل. وهذا أمر مستحيل دون تنفيذ متطلبات إعداد المواطن في الحقول التعليمية والثقافية والتدريبية التي ذكرنا سابقاً ودون إيجاد حوافز لرجوع الألف مليار دولار المهاجرة في الخارج.
رابعا: هذه نقاط ثلاث مفصلية لا تكمن أهميتها في ذكرها فقط وإنما في تفاصيل مراحل وأساليب تنفيذها في المستقبل. ولما كانت عقليات وقدرات القائمين على الأجهزة المخططة والتنفيذية والتشريعية الشوروية في دول المجلس في وضع جاهل متخلف، وأحياناً انتهازي فاسد، فإن الحاجة ستكون ماسة لتكوين فرق عصفٍ فكري من ذوي الاختصاص والفكر والنزاهة على مستوى مجلس التعاون وعلى المستويات المحلية لمساعدة تلك الجهات في وضع تصورات وحلول قبل أن تأتينا العقود الأربعة القادمة بالكوارث والأهوال ونحن في سبات.