كشفت دراسة مكثفة استغرق إعدادها فترة أربعة أعوام كاملة بشأن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق القطبية، أن الغازات الحارة المنبعثة من المواسير الطاردة للغازات المستنفدة ومن المداخن في جميع أنحاء العالم، تساهم بقدر كبير في التغييرات الهائلة في المناخ بما فيها التراجع الحاد في مستوى الأنهار الجليدية وفي ثلوج البحار، وتذويب الطبقات الجليدية في المناطق القطبية المتجمدة، بالإضافة إلى إحداث تحولات كبيرة في أحوال الطقس والجو في سائر المحيطات. وهذه الدراسة التي نفذتها ثماني دول تجاور الإقليم القطبي بما فيها الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى أن التغيرات ستلحق أضراراً بالمجتمعات السكانية والحياة البرية والنشاطات الاقتصادية، ولكنها أيضاً ستوفر بعض الفوائد مثل طول فترات مواسم النمو الزراعي. ومن المنتظر الإفراج عن هذا التقرير في التاسع من نوفمبر الحالي إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" قد حصلت على أجزاء منه عبر مجموعة من المشاركين الأوروبيين في المشروع.
وفي الوقت الذي ظل ينمو فيه ارتفاع درجات الحرارة القطبية لعقود عديدة وجرت دراستها من قبل، فإن هذا التقييم يعتبر الأول من نوعه للأسباب والنتائج التي ستترتب على هذا الاتجاه الجديد. وقام بتنفيذ الدراسة حوالي 300 عالم بالإضافة إلى ملاحظات بعض المعمرين وكبار السن في المجتمعات السكانية في المنطقة بعد أن اجتمع ممثلو الثماني دول في أكتوبر من عام 2000 في مدينة "بارو" بولاية ألاسكا تحت وطأة شعور ملح بضرورة الإسراع في معرفة تأثير ارتفاع درجات الحرارة العالمية على المنطقة القطبية. وتدعم النتائج المتمخضة عن الإجماع العريض الأكثر إثارة للجدل من الناحية السياسية والعلمية حقيقة أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية إنما تعود بشكل رئيسي إلى ازدياد التركيزات الجوية الخاصة بغازات الدفيئة الحارة وأن المنطقة القطبية هي أول من سيستشعر بهذه التأثيرات. وبينما لا يتعدى التقرير حدود الاستشارة ولا يتضمن أي وزن قانوني فمن المرجح أن يعمل هذا التقرير على زيادة الضغوط على إدارة بوش التي أدركت إمكانية حدوث دور يلعبه البشر في هذا الاحترار العالمي ولكنها أشارت إلى أن العلم ما زال قاصراً عن تبرير الانخفاضات الدورية التي تحدث في انبعاثات غازات الدفيئة. ولكن وزارة الخارجية التي راجعت التقرير رفضت التعليق على هذا الأمر.
ونص التقرير على أنه "وبينما ظلت تتمخض بعض التغيرات التاريخية في المناخ والناجمة عن أسباب طبيعية بالإضافة إلى بعض التحولات التي طرأت مؤخراً فإن قوة هذا الاتجاه وأنماط التغير التي ظهرت في العقود الأخيرة أصبحت تشير إلى أن التأثير البشري الناتج بشكل رئيسي عن تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى قد أصبحت الآن هي العامل المهيمن والأكثر تأثيراً". ومضى التقرير يقول "إن المنطقة القطبية الآن باتت تشهد نوعاً من التغير المناخي الأكثر تسارعاً وحدة في الكرة الأرضية. وخلال فترة العشر سنوات القادمة أصبح من المتوقع أن نشهد المزيد من التسارع في التغير المناخي مما سيساهم بدوره في تغيرات فيزيائية وإحيائية واجتماعية واقتصادية رئيسية قد بدأ بعضها في الظهور مسبقاً".
وكان العلماء قد توقعوا منذ فترة طويلة أن تشهد المنطقة القطبية سرعة في الاحترار أكبر من تلك التي ستنتظم المناطق الأخرى وذلك بسبب أنه كلما ذاب الجليد والثلوج في تلك المنطقة فإن الانعكاسات الفاتحة والبيضاء اللون على الأسطح أخذت تتسبب في تشجيع هذه المسطحات الأرضية والمائية على امتصاص أكبر قدر من الطاقة الشمسية. وكذلك فإن الاحترار يميل إلى المكوث بسرعة أكبر في المنطقة القطبية لأن الهواء الأبرد في الطبقات العليا للجو لا يختلط بالهواء الموجود في السطح في الارتفاعات الدنيا كما يؤكد العلماء. ويذكر التقرير أن تأثيرات هذا الاحترار قد تفاقمها بعض العوامل الأخرى بما فيها المبالغة في عمليات صيد الأسماك والارتفاع في التعداد السكاني وتنامي مستويات الإشعاعات ما فوق البنفسجية المنبعثة من طبقة الأوزون الناضبة (وهي الحالة التي تنطبق على كلا القطبين الشمالي والجنوبي). وجاء في التقرير "إن تجمع هذه العوامل معاً قد أخذ يهدد بالتأثير السلبي على قدرات بعض التجمعات السكانية والأنظمة المناخية في المنطقة القطبية".
على أن الإسراع في بذل الجهود لتخفيف وكبح انبعاثات غازات الدفيئة من شأنه أن يبطئ من وتيرة التغيير ويسمح في نفس الوقت للمجتمعات السكانية والحياة البرية بالتكيف كما يقول التقرير. ولكنه أكد أيضاً على أن المزيد من الاحترار وذوبان الجليد والثلوج أصبح أمراً لا يمكن تفاديه على خلفية تنامي واحتشاد هذه الغازات وبخاصة ثاني أكسيد الكربون ولفترة لا تقل عن قرن كامل من الزمان. وذكر العديد من الأوروبيين الذين كشفوا عن أجزاء من التقرير أنهم إنما فعلوا ذلك لأن إدارة بوش قد لجأت إلى تعطيل إصدار التقرير إلى ما بعد فترة الانتخابات الرئاسية نسبة لما يتضمنه الموضوع من اختلافات سياسية بسبب