مباشرة بعد دخولها المدرسة المتوسطة بدت "حنا سكوت" (12 عاماً) وهي أكثر عصبية وقلقاً بسبب الآلام المبرحة التي بدأت تنتابها في بطنها. وأخذت هذه الفتاة الجميلة ذات الشعر الرملي الطويل تحكي عن حالتها قائلة: عادة ما تنتابني هذه الآلام في الصباح الباكر عندما أغادر المنزل. وعند وصولي المدرسة تزداد الأمور سوءاً وأعاني من آلام رهيبة. وفي كل مرة أذهب إلى الممرضة يتم إرسالي إلى المنزل.
وعندما استمرت هذه الآلام لبعض الأشهر، ذهب بها والدها إلى أخصائي باطنية الأطفال الذي أمر بإجراء الفحوص بما فيها التصوير بالأشعة واستخدام المناظر حتى تتسنى معرفة أبعاد المشكلة. ولما لم تشر الفحوص إلى سبب بعينه تم تشخيص المرض على أنه حالة من "التهيج المعوي" وعدم "انتظام في وظائف المعدة" لا يعود إلى سبب عضوي، وبالتالي ليس له دواء محدد للأطفال. ولكن الطبيب أقر بأنه لا يوجد أمامه ما يمكن أن يفعله وفي النهاية آثر والدها سحبها من المدرسة.
ويقدر حالياً أن هنالك ما بين 10 إلى 20 في المئة من جميع الأطفال في عمر الدراسة يعانون من آلام حادة في البطن إلا أن العديد من الأطفال والكبار يستمرون في المعاناة إلى فترات تتراوح ما بين 13 إلى 18 شهراً قبل أن تتم معالجتهم وهنالك البعض الذي لا تتم معالجته على الإطلاق.
ويشير الخبراء إلى أن الأسباب العضوية مثل القرحة أو الالتهابات أو الانسدادات المعوية هي السبب في معاناة قلة قليلة من الأطفال يتراوح معدلها ما بين 5 إلى 10 في المئة. لذا فإن الغالبية العظمى تظل تعاني مما أطلق عليه "الاختلال المعوي الوظيفي" وأكثر أعراضه شيوعاً الألم في شكل نوبات من التهيجات المعوية الحادة التي تتسبب في آلام مبرحة تقترن بحالة من الإمساك أو الإسهال بالإضافة إلى إحساس بسوء الهضم كذلك الذي يصاحب آلام الغثيان ودوار البحر أو الشعور بشدة الامتلاء.
وفي بعض الأحيان يتم وضع الأطفال الذين تعاودهم آلام البطن تحت حزمة من الاختبارات الشاملة وتفرض عليهم حمية غذائية معينة ويعطون جرعات كبيرة من الأدوية المضادة للأحماض أو الأدوية المكافحة للغثيان التي ربما تمنح بعض الارتياح من الأعراض ولكنها تقف عاجزة أمام الآلام. بل إن بعض الأطفال يتم إخطارهم بأن هذا المرض "موجود في عقولهم فقط" أو أنه محض خيال عشش في رؤوسهم. ووفقاً لأحد المتخصصين في الأمراض الباطنية فإن العديد من الأطباء لا يعرفون كيفية معالجة آلام البطن عند الأطفال. وكما يقول دكتور كارلو دي لورينزو كبير أطباء باطنية الأطفال في مستشفى الأطفال في كولومبوس بولاية أوهايو "هنالك الكثير من سوء الفهم يجعل من حياة هؤلاء الأطفال أكثر صعوبة". ومضى دي لورينزو يقول: إنهم يتنقلون من طبيب إلى آخر وإجراء العديد من الفحوص إلى أن تتحسن الأمور أو يتمكنوا من إيجاد طبيب متخصص يعرف كيف يعالجهم. وفي الحقيقة هنالك معايير واضحة لتشخيص الاختلال وعدم الانتظام الذي يتسبب في آلام البطن. وبالنسبة لمعظم الأطفال فإن هذه التشخيصات يمكن إجراؤها دون الحاجة إلى فحوص شاملة.
ويقول دكتور نادر. إن. يوسف، أخصائي باطنية الأطفال في مستشفى جوريب للأطفال في موريس تاون بولاية نيوجيرسي: إنها عبارة عن تشخيصات بالغة السهولة ولكن ليس بالنسبة لأطباء الأطفال لأنهم لا زالوا لا يدركون أن هذه الأعراض تظهر على الأطفال وكبار السن على حد سواء. وهنالك العديد من الطرق الجديدة لمعالجة الألم - من ضمنها "العلاج السلوكي المتجانس" ومعالجات بديلة أخرى مثل الطرق الفنية للراحة والارتخاء والعلاج بالتدليك وتناول العقاقير المضادة للاكتئاب، وهي علاجات يتم استخدامها جميعاً مع كبار السن والراشدين ولكن لم يتم استخدامها بشكل واسع مع الأطفال. ويعود هذا الأمر إلى أن مجموعة قليلة جداً لا تزيد على أصابع اليد الواحدة من الدراسات هي التي تقف خلف هذا الاتجاه.
وفي السنوات الأخيرة على كل حال بدأ الخبراء في فهم المزيد بشأن الارتباط والعلاقة ما بين العقل وأحشاء المعدة. ويذكر أن رقعة المعدة تحتشد بالخلايا العصبية ومرسلات الأعصاب. وكذلك فإن 95 في المئة تقريباً من مرسلات الأعصاب توجد في المعدة نفسها. لذا فإن الإجهاد والعصبية والخوف وجميع المشاعر الأخرى سرعان ما تلعب دوراً بالغ التأثير في المعدة. وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من آلام في البطن فإن المعدة تصبح بالغة الحساسية والنشاط ومع وجود كمية قليلة من الغازات على سبيل المثال يتم إرسال موجة من الآلام إلى الدماغ. وتظهر المشكلة كعدم توافق بين الإشارات الواردة ما بين الدماغ والمعدة كما يشير الدكتور لوني زيلتز مدير برنامج آلام الأطفال في كلية طب ديفيد جافين من لوس أنجلوس. وهو يقول: إذا كان لديك ألم مستمر فسوف تعمد إلى تطوير مسارات للألم غير الاعتيادي وبذلك يتم تضخيم حجم الألم وإشاراته المرسلة إلى الدماغ. إلا أن ما يسبب المبالغة في الحساسية هو ما لم يتم إدراكه حتى الآن ولكن الخبراء يعتقدون أنها ربما تزداد حدتها هذه بسبب وجود فيروس أو التهاب