اختلق بعض الكتاب العرب نظرية تقول بأنه سيكون لدى بوش حافز قوي لمراجعة وتغيير سياساته في المنطقة العربية والشرق أوسطية أثناء ولايته الثانية. تسوق هذه النظرية حجتان أساسيتان. الأولى أن الرئيس الأميركي لن يستطيع أن يجدد رئاسته في ولاية ثالثة وهو لذلك يتمتع باستقلالية كبيرة تجاه جماعات الضغط وعلى رٍأسها جماعة الضغط الاسرائيلية أو الصهيونية عموما. والثانية أن الرئيس عادة ما يكون اكتسب خبرة في الشؤون الخارجية وهو ما يمكنه من مراجعة سياساته وخاصة على ضوء النتائج الهزيلة التي حققها في المنطقة سواء بالنسبة للفلسفة العامة للسياسة الأميركية أو فيما يتعلق بالملفات الساخنة والكبرى في المنطقة. ومن السهل ملاحظة القدرات الخارقة فعلا للجالية اليهودية واللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. ويستطيع المرء – اذا شاء- أن ينسب مختلف تفاصيل السياسة الأميركية في المنطقة الى مبادرات وضغوط وسلوكيات محددة لجماعات الضغط اليهودية والاسرائيلية. ونسمع ونعرف آلاف الحكايات عن الكيفية التي تمكن بها اللوبي الاسرائيلي والمنظمات الصهيونية من معاقبة كل من يهمس بالرغبة في انتهاج سياسة أميركية أقل انحيازا لاسرائيل بما في ذلك اسقاط عدد من أقوى الشيوخ وأكثر النواب في الكونجرس الأميركي شعبية، وهو الأمر الذي جعل الكونجرس بالذات اكثر تطرفا في دعم اسرائيل كل يوم عن اليوم الذي سبقه. ومع ذلك كله فإن لدينا أدلة أخرى تؤكد بوضوح أن الرئيس الأميركي يمكن أن يفرض ارادته عندما يشاء لتحقيق مصالح أميركية جوهرية دون انتظار للولاية الثانية. فتمكن الرئيس رونالد ريجان مثلا من تمرير صفقة الأواكس للمملكة السعودية في وجه معارضة مستميتة من اللوبي الاسرائيلي وفي ولايته الأولى. وينطبق ذلك بدرجة أكبر على الرئيس بوش الذي تمتع طوال ولايته الأولى بدعم قوي للغاية في الكونجرس ولدى الشعب الأميركي حيث ظل معدل شعبيته عاليا بصورة خارقة منذ أحداث 11 سبتمبر وحتى بداية خريف عام 2003. ومن ناحية ثانية فحتى لو قبلنا نظرية الهيمنة اليهودية والاسرائيلية على عملية صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط فإن الرئيس الأميركي يمكنه التمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن طريق عقد التحالفات المناسبة داخل الجالية اليهودية التي تنشط فيها تيارات متعددة، وهو ما فعله الرئيس كلينتون بالتحالف مع تيار الصهيونية الليبرالية. وكان هذا التيار يضغط بشدة على الرئيس بوش خلال ولايته الأولى من أجل انتهاج سياسة أنشط تجاه الصراع العربي الاسرائيلي نظرا للقلق العاصف الذي يستشعره هذا التيار من الليكود والأحزاب الدينية واليمينية في اسرائيل عموما. كما شاركت المؤسسة الاعلامية الليبرالية وعلى رأسها النيويورك تايمز والواشنطن بوسط في انتقاد حاد لسياسات بوش وشارون المدمرة في المنطقة وظلت تناشد بوش تعديل وتغيير سياساته فيما يتعلق بهذا الملف دون جدوى. وبتعبير آخر لا يمكن أن نشرح سياسات بوش أثناء الولاية الأولى بكونها مجرد استسلام لضغوط اللوبي الصهيوني أو الاسرائيلي.
ومن ناحية ثانية لو أننا قبلنا بنظرية اللوبي الصهيوني والاسرائيلي فليس من المحتم أو حتى المرجح أن يتمتع الرئيس بوش أو غيره باستقلال حقيقي أثناء الولاية الثانية لمجرد أنه لن يتم ترشيحه لولاية ثالثة. فسوف يستمر حزبه في الخضوع لابتزاز اللوبي نفسه من أجل انجاح مرشحه في الانتخابات الرئاسية الجديدة. كما أن الرئيس قد لا يحتاج الاصوات اليهودية أو حتى الأموال اليهودية ولكنه يستمر فىي الخضوع لهذا اللوبي نظرا للخوف من الصدام معه وهو ما قد يجلب تفجير فضائح أو الطعن في المصداقية بأساليب أخرى كما حدث مع كلينتون في فضيحة مونيكا لوينسكي التي أوعزت السيدة زوجته هيلاري في ذلك الوقت بأن من حركوها هم عناصر من هذا اللوبي.
والواقع أن نظرية اللوبي الصهيوني قد تصدق على الحيز التقليدي للسياسات الأميركية ولكنها لا تصدق على الرئيس الحالي والنمط الحالي من السياسات الأميركية الذي اخترعته ادارته. فنحن أمام مشروع كبير لتغيير العالم كما صرح بوش نفسه لبوب وودوارد في كتابه عن الرئيس بوش. ونحن أمام نمط من السياسات الايديولوجية التي تطرح رؤية حدث أنها توافقت مع تيار الصهيونية اليمينية المتطرفة في اسرائيل بزعامة شارون وربما نتانياهو لو أنه كان رئيسا للوزراء. ان منطق هذه السياسة ينطوي على مشروع لتغيير الهيكلية السياسية للمنطقة. ولاسرائيل - باعتبارها فكرة وايديولوجية "ونبوءه" فضلا عن كونها قوة عسكرية وسياسية ذات بأس- دور فيها. ولذلك كان بوش من بادر بالاتصال بشارون حتى قبل الاعلان عن فوزه رسميا في انتخابات عام 2001 ليعقد معه تحالفا وتوأمة ظلت تعمل بدون انقطاع منذ ذلك الوقت.
غير أن الخطأ الأكبر في نظرية الولاية الثانية هو أنها لم تفهم جوهر الاستراتيجية التي ينتهجها بوش بالنسبة للشرق الأوسط ككل وبالنسبة للصراع العربي الاسرائيلي. ويمكننا التعبير عن هذه الاستراتيجية بأسلوب عملي للغاية وحتى بدون الاضافات والتلاوين الا