ليس هنالك من الآباء والأمهات من لا يرغب في أن يحقق أطفاله النجاح. وفي هذه الأيام احتشدت أرفف المحلات بمنتجات للألعاب أطلق عليها أسماء مثل "الطفل أنشتاين" أو "الطفل الذكي". وأصبح من الواضح نتيجة لذلك أن بعض الأطفال الذين يمارسون هذه الألعاب قد يحققون نقاطاً إضافية في اختبارات الذكاء، ويحصلون على فرص مبكرة للالتحاق بكلية رابطة "آيفي" الخاصة بالموهوبين والأذكياء على سبيل المثال. ونسبة للإدراك المتنامي في أوساط الآباء بأن السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل هي الأكثر أهمية من الناحية التطويرية والتنموية، فقد درجت الشركات على تهيئة منتجاتها بحيث تحقق أقصى مستوى من النمو العقلي والمعرفي. ولكن الخبراء في مجال تنمية وثقافة الطفل لديهم على كل حال شكوكهم التي تساورهم. فليست هناك دراسات أجريت بعينها تشير إلى أن أياً من الألعاب أو ألعاب الفيديو الحالية تمنح الأطفال تفوقاً معرفياً على نظرائهم المتمسكين بألعاب قطع البناء أو عرائس الأطفال التي تجاوزها الزمن.
وفي الوقت الذي اكتشف فيه الباحثون أن بعض الأطفال الذين حرموا من أنواع محددة من سبل التحفيز والتنشيط الذهني أثناء السنوات الأولى من حياتهم لم يستردوا قدراتهم بالكامل على الإطلاق، فقد اقتنعوا بأن المزيد من هذه السبل التحفيزية المنشطة تجعل الأطفال أكثر ذكاء. ويعتقد الخبراء أن الألعاب قد تصبح حاسمة حتى فيما يتعلق بالتنمية الذهنية لأنها تقود الأطفال للتركيز على الذاكرة عوضاً عن الخيال وعلى المقدرات الخاصة بحل المشكلات. وتقول الدكتورة "كاثلين كيلي جاولي" الأستاذ المساعد في علم النفس في مركز دراسات الطفل في جامعة نيويورك:"إن بعض هذه الألعاب تتمتع بقدر كبير من المتعة والتسلية إلى جانب أنها تجعل الطفل مراقباً من النوع الإيجابي... إنك ترغب في أن يختلط الطفل بالعالم ولكن إذا كانت اللعبة تفعل كل شيء، فهي تغني وتصفر وتعرض الصور، فما الذي بقي لكي يفعله الطفل؟".
ومن جانبهم فقد بات مصنعو ألعاب الفيديو للأطفال يحاولون ببساطة إدخال وتشبيه رغبات واهتمامات الأطفال في هذه الألعاب. وتقول "راشمي تيرنر" مديرة الاتصالات في شركة "بيبي إنشتاين": "لقد تم إطلاق اسم انشتاين في الحقيقة على الشركة ليس لأن إينشتاين هو ذلك العبقري العالمي المشهور، وإنما لأنه كان دائماً لا يمل حب الاستطلاع. ونحن نؤمن بأننا كلما حفزنا الإحساس الطبيعي لحب الاستطلاع في الطفل، فإن ذلك سيقودنا إلى نتائج رائعة". وتمضي مشيرة إلى أن منتجات شركة "بيبي انشتاين" قد جرى تصميمها بحيث "تلفت أنظار الأطفال إلى بعض الأشياء الجميلة في العالم". ولكن "كاثلين الفانو" مديرة بحوث ودراسات الطفل في شركة "فيشر برايس" تقول:"لا يوجد دليل أو برهان على أن هذا النوع من الألعاب يساعد الأطفال على أن يمتازوا بذكاء أكثر". وتمضي قائلة:"لا أحد يمكن أن يجزم بأن هذا يحدث أو لا يحدث. لقد اتضح فقط أن الألعاب تساعد الأطفال على التعلم وأن الأطفال الذين يمارسون اللعب أكثر قدرة على التعلم في المدى الطويل". وما زالت إحدى لفافات ألعاب الأطفال من ماركة "فيشر- برايس" تحمل أوصافاً دعائية مكتوبة مثل "فوائد تطويرية" تتضمن "تشجيع المقدرات المعرفية" والتي "تطور المهارات الحركية". و"تحفز الحواس".
أما شركة "ليب فروقز انتربرايسز" فقد أخطرت أولياء الأمور في موقعها على الإنترنت بخصوص لعبتها الموسيقية "إن الموسيقى تحفز عقل الطفل وتعبد المسارات الخاصة بالتعليم المستقبلي مثل القدرة على الخطابة تماماً، كما أن إخضاع الأطفال إلى سماع الموسيقى يعمل على تعزيز قدراتهم على المدى الطويل في تنفيذ الوظائف العقلية العليا في مجال الرياضيات". وقد أكدت البحوث على تنمية العقل أن الثلاث سنوات الأولى هي الأكثر أهمية في حياة الطفل. إذ يقول الدكتور "نيكولاس لانج" أستاذ علم النفس والإحصائيات البيولوجية في جامعة هارفارد:"نحن نعلم أنه ما بين الولادة وحتى سن الثانية أو الثالثة يحدث نمو عقلي بالغ السرعة". حيث يستمر العقل في النمو بعد ذلك ولكن بمعدلات أكثر بطأ عما كانت عليه في تلك الفترة. وكنتيجة لذلك فإن التعليم الذي يحدث أثناء هذه السنوات الثلاث يمثل أساساً قوياً للتعلم اللاحق. وكما يقول أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا في "بيركلي" ومؤلف كتاب "العقول وكيف يتعلم الأطفال": تماماً كما في علم الفيزياء حيث لم يكن بإمكاننا الحصول على انشتاين إذا لم يسبقه نيوتن أولاً، فإن كل مرحلة من مراحل التطور في حياة الطفل تعتمد على ما حدث قبل ذلك". ولكن ذلك لا يعني بتاتاً أن العقل يتوقف عن النمو والتطور بعد عمر الثالثة كما يقول الدكتور "جوبنيك".
وبينما يمكن أن يؤدي الحرمان الشديد أثناء فترة الثلاث سنوات الأولى إلى عجز دائم في مقدرات وملكات الطفل إلا أن الأطفال فيما يبدو لديهم القدرة على تجاوز هذه الظروف السيئة، حيث إن بعض الأيتام في دولة رومانيا على سبيل المثال قد استطاعوا تجاوز هذه الظروف بمساعدة من عوائلهم التي تبنتهم.