نجح جورج بوش في المحافظة على منصبه في سدة الرئاسة الأميركية، ومثله مثل اثنين وعشرين رئيساً سابقاً للولايات المتحدة، فإن قاعدة احتفاظ الرئيس القائم بكرسي الرئاسة قد أصبحت قاعدة من الصعب تغييرها، خاصة في ضوء حربين تخوضهما البلاد.
لقد كان جون كيري محظوظاً في الماضي، فقد كانت خيله تتخطى الخيول الأخرى في الانتخابات التمهيدية في فبراير ومارس الماضي. ففي اللحظة الأخيرة كان كيري يشد العزم على تخطي المنافسين، وراهن عدد كبير من الناس على أنه سيفعل الشيء نفسه هذه المرة، غير أنه لم يستطع في الأيام القليلة التي سبقت الانتخابات أن يستمر في تسنّم رأس الموجة التي كانت تزبد في عرض المحيط. ونجح عدو بوش اللدود (أسامة بن لادن) في دفع الأصوات المترددة باتجاه بوش. فقد راهن بوش وحملته الانتخابية على زرع بذور الخوف والتوجس من الإرهاب في قلوب الناخبين الأميركيين، وقد نجحت حملة الخوف هذه، ووقوف بن لادن أمام كاميرات التليفزيون شاهداً عليها، وشاهدا على جعل الإرهاب عنصراً مهماً من عناصر العملية الانتخابية، كما كان عليه الحال في الأيام الأولى للحملة الانتخابية.
غير أن انقسام الولايات المتحدة والناخبين الأميركيين حول أنفسهم أمر لا يمكن التقليل من قيمته. فإذا كان 45% يصوتون لصالح أحد الحزبين، فإن العشرة في المئة الباقية في الولايات المتأرجحة مثل أوهايو وفلوريدا وأيوا ووسكنسون ونيوهامشير ونيومكسيكو وغيرها، قد مالوا في اللحظة الأخيرة إلى تأييد بوش.
اعتمد كيري على أصوات الأقليات، بما فيهم السود والعرب وذوو الأصوات الأسبانية، واعتمد على إخراج أكبر عدد منهم في الأسابيع السابقة للانتخاب بتسجيل أسمائهم في القوائم الانتخابية. كما أعتمد على مساعدة أعداد كبيرة منهم للإدلاء بأصواتهم. وفي المقابل اعتمد بوش على الأغلبية المحافظة لتأكيد انتمائها إلى خطه المتشدد، وإلى دعمه في حربين تخوضهما قواته، إحداهما في العراق والأخرى في أفغانستان.
وقبيل الانتخابات بيومين اثنين، كانت معظم استطلاعات الرأي تشير إلى تساوي الأصوات بين المرشحين الرئاسيين. فجورج بوش كان متوقعاً فوزه بأغلبية كبيرة في 23 ولاية تعطيه 197 صوتاً في المجمع الانتخابي، كما كان أكثر حظاً بالفوز في أربع ولايات أخرى، كي يصل عدد الأصوات التي يمكنه الحصول عليها في المجمع الانتخابي إلى 277 صوتاً، علماً بأن عدد الأصوات المطلوب حصول الفائز عليه في هذا المجمع يجب أن يصل إلى 270 صوتاً.
أما جون كيري فقد كان مؤكداً فوزه في 13 ولاية، وكانت هناك خمس ولايات تميل لصالحه، مما جعل عدد المقاعد التي كان يحتمل فوزه بها في المجمع الانتخابي يصل إلى 232 صوتاً. وقد أعطت معظم الولايات المتأرجحة الخمس 79 صوتاً في ذلك المجمع الانتخابي، كان أكثرها أهمية ولايتا فلوريدا وأوهايو التي صوتت في اللحظة الأخيرة لصالح بوش. وقد كان أنصار كيري وأصوات كثيرة في الحزب الديمقراطي ترنو إلى التريث قليلاً قبل أن يعلن المرشح الديمقراطي انسحابه من السباق الرئاسي، حيث كانت تعتقد أن جزءاً كبيراً من الأصوات الغائبة يمكن أن تصوت لصالح الديمقراطيين. غير أن كيري أعلن مساء الأربعاء بأن في اعتقاده وفي اعتقاد زعماء الحملة الديمقراطية أن تعداد الأصوات الغائبة ربما كانت لصالح الجمهوريين. ولذا لم يكن من المناسب الانتظار فترة أطول قبل قبوله بالهزيمة.
لقد كان هناك الكثير من المرارة في حلوق العديد من الديمقراطيين لإعلان انسحاب مرشحهم بهذا الشكل السريع. ولكن زعامة الحزب الديمقراطي لم ترغب في أن تتطور الأمور بمثل ما تطورت إليه في الانتخابات الماضية في عام 2000. وهكذا فاز بوش بـ52% من أصوات الناخبين بينما لم يحصل منافسه كيري على أكثر من 48%.
ويرى الكثير من المحللين السياسيين الأميركيين أن الناخب الأميركي لم يكن محركه الرئيسي في هذه الانتخابات يعتمد على الحرب في العراق ولا على الوضع الاقتصادي، بل كان تصويت الغالبية البيضاء البروتستانتية في الجنوب وفي وسط البلاد يعتمد على ما يسمى بالقيم الأخلاقية للمجتمع الأميركي.
لقد كان دعم الحزب الديمقراطي لزواج المثليين وجعله شرعياً وكذلك محاربته لانتشار السلاح بين أيدي المواطنين وهما من القيم المقدسة بين شرائح واسعة في المجتمع الأميركي سبباً رئيساً في انصراف أعداد غفيرة من الناخبين عن المرشحين الديمقراطيين. وبالرغم من الخطاب الوداعي الجميل للمرشح الديمقراطي، فإن خطاب الرئيس بوش في حفل الانتصار، كان خطاباً موجزاً ولم يقل فيه الشيء الكثير، سوى دعوته للناخبين الديمقراطيين بدعم سياساته الداخلية والخارجية. وكان خطاب بوش أشبه ما يكون بخطاب رئيس شركة كبرى يشكر فيه من دعموه في حملته الانتخابية. وغابت عن كاتبي هذا الخطاب الإشارة إلى رغبته في مدّ يده إلى الأوروبيين وإلى الدول الكبرى لإعادة قيادة العالم على أسس أخلاقية جديدة.
وأبرز ما في خطاب بوش، مع أنه ذكر أنه خطاب احتفالي، هو إصراره على نجاح سياساته السابقة وأن فو