الصحافي الفرنسي "آلان مينارغ" مؤلف كتاب "جدار شارون" تعرض لحملة عنيفة في فرنسا من قبل الجاليات اليهودية أدت إلى طرده من وظيفته في "إذاعة فرنسا الدولية". السبب اتهامه الدولة الإسرائيلية بالعنصرية. وجاء ذلك إثر متابعة دقيقة منه وميدانية على الأرض لعملية بناء الجدار وما رافقها من انتقادات ومواقف وقرارات دولية لا سيما قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي اعتبر الجدار غير قانوني وغير شرعي ودعا إلى إزالته. الصحافي الفرنسي جاء إلى بيروت منذ أيام للمشاركة في معرض الكتاب "اقرأ بالفرنسية" وتوقيع كتابه قال في مقابلة صحافية:"إسرائيل دولة عنصرية ولن أغير رأيي". وأضاف:"بعد تصريحاتي عن أن إسرائيل دولة عنصرية أمرني الرئيس المدير العام للإذاعة بالاستقالة كمدير للأخبار ثم أقالني من منصبي كمدير عام"! ورداً على سؤال قال:"ثمة إرهاب فكري يمارس في فرنسا من قبل أشخاص من اليمين اليهودي". مــَر القرار مرور الكرام، ولم نشهد حملة تضامن مع "مينارغ" بالمستوى المطلوب لا في فرنسا ولا في الدول العربية وكأن ثمة تسليماً بضرورة عدم انتقاد إسرائيل.
أما النائب والسياسي الفرنسي باسكال بونيفاس الذي ألف العام الماضي كتاب "هل بإمكاننا انتقاد إسرائيل؟" فقد قال في بيروت أيضاً وفي المناسبة ذاتها:"نعم تعرضت شخصياً إلى تهديد بالقتل. وقد تلقت مجموعة من الكتاب والمفكرين اليهود وغير اليهود الذين انتقدوا شارون بريداً يحوي رصاصة ورسالة تقول: الرصاصة الثانية لن تأتيكم عبر البريد"!
وقد حصل كل ذلك في الوقت الذي تستمر فيه الممارسات الإسرائيلية الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني عموماً وضد القادة الفلسطينيين المنتخبين شرعياً خصوصاً، وتتخذ قرارات على مستوى الحكومة باغتيال وتصفية عدد من القيادات والمسؤولين الفلسطينيين، وتتحدى إسرائيل قرارات الأمم المتحدة، وترفض التعامل مع قرار محكمة العدل الدولية فيما يخص جدار الفصل العنصري، ويعلن نائب الوزير في الحكومة ميخائيل رتسون أن على العرب في إسرائيل الرحيل إذا لم تعجبهم سياسة التمييز العنصري الإسرائيلية!
وتهدد جماعات إسرائيلية أخرى باقتحام المسجد الأقصى وتدميره في محاولة رد فعل على خطة الفصل الشارونية، علماً بأن هذه التهديدات أطلقت أكثر من مرة سابقاً. وقبل إطلاق شارون خطته المذكورة. وهذا يؤكد الاستهداف الإسرائيلي المستمر للفلسطينيين كشعب وللأماكن المقدسة كلها ومحاولة السيطرة على مزيد من الأراضي وزرع مستوطنين فيها. كل ذلك يندرج في خانة الممارسات التي يعاقب عليها القانون الدولي وآخرها القرار 1566 المتعلق بمكافحة الإرهاب والصادر عن مجلس الأمن.
لكن إسرائيل تفعل ما تريد، غير آبهة بشيء، لأن الإدارة الأميركية توفر لها الغطاء من جهة ولأنها تستخدم وسائل إرهاب وتضليل فكري إعلامي وسياسي ضد دول عديدة مستغلة شعار "اللاسامية" أو العداء للسامية ومتسلحة في الوقت ذاته بالقانون الأميركي الصادر مؤخراً والذي سمي "قانون العداء للسامية"، الذي يمكن على أساسه أن يعاقب أي شخص أو أية جهة رسمية أو غير رسمية إذا ما انتقدوا إسرائيل.
من جهة ثانية ثمة تلازم وفق هذا القانون بين انتقاد إسرائيل وإرهابييها ومعاداة السامية! وعلى هذا الأساس قامت منظمات يهودية مؤخراً تطالب بفصل أستاذ أردني من جامعة كولومبيا في نيويورك زاعمة أنه أبدى آراء مناوئة لإسرائيل ومعادية للسامية أثناء التدريس وأظهر عدائية مزعومة تجاه الطلبة الإسرائيليين أو الذين يتحدرون من أصول يهودية. والحقيقة هي أن الأستاذ جوزف مسعد اختلف في النقاش مع بعض الطلاب، فقدم أحدهم نفسه إليه قائلاً إنه خدم في الجيش الإسرائيلي فسأله:"كم فلسطينياً قتلت"؟، وهذه هي الجريمة التي دفعت عضو الكونغرس الديمقراطي أنطوني واينز إلى مطالبة رئيس الجامعة بفصل مسعد!
السينمائية الفرنسية "سيمون بيتون" وحاملة الجنسية الإسرائيلية صورت فيلماً عن " الجدار " العنصري فاعتبرت أنه (أي الجدار) جريمة ضد التراث الثقافي والتاريخي والديني الذي هو ملك للإنسانية كلها. وقالت إنه أخطر من تدمير تماثيل بوذا على أيدي طالبان في أفغانستان. وأكدت بيتون أنه جدار الفشل، وهو يدفع الفلسطينيين أكثر نحو الحقد والتفكير في الانتقام. كما انتقدت الوعود بتدمير البيوت التي يخليها المستوطنون وقالت إنه بالإمكان الاستفادة منها واستعمالها من قبل منظمات غير رسمية فتقيم فيها مخيمات أو مستشفيات صغيرة، يحتاجها الفلسطينيون المقيمون حولها!
هذه الشخصية الفرنسية - الإسرائيلية، خدمت في الجيش الإسرائيلي وخرجت إلى العالم بانطباعات ومشاعر عبرت عنها في هذا الفيلم وفي غيره من المواقف والصور التي قدمتها وهي تخوض نقاشاً كبيراً حولها.
ولكن، من يحتضن بونيفاس، ومينارغ، وبيتون في بلداننا؟ من يقــدر أعمالهم، ويبرزها ويشعرهم على الأقل بأننا نقرأ ونتابع ونقدر من يقف إلى جانب الحق والعدالة والإنسانية؟ من يلتفت إليهم ككتاب ومؤلفين وفنانين ومخرجين وسينمائيين وكجزء من الحضارة الإنس