دولة الإمارات العربية المتحدة بدون مؤسسها ورئيسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد اليوم والأمة العربية بدون أبرز حكامها وحكمائها اليوم.
غيابه في الأيام العادية مؤلم ولا يعوّض، وغيابه في الأيام الاستثنائية كالتي نعيشها اليوم مؤلم ومقلق. والحياة لا تتوقف. والموت حق. والبركة في من سيخلفه. والذي يبني المؤسسات على قاعدة العقل والعدل والحكمة والأمانة، يطمئن إلى سلامة ما بعده.
لكن لكل إنسان صفات تميزه عن الآخر، ومن يحمل صفات القائد والمرشد فليس من السهولة بمكان تعويض غيابه.
الشيخ زايد قاد أبرز تجربة من خلال توحيد الإمارات العربية استمرت واستقرت لعقود من الزمن، وشهدت خلالها البلاد نهضة إنمائية عمرانية ثقافية فكرية بيئية اقتصادية واجتماعية لم تشهدها دول كثيرة في القرن الماضي خلال الفترة الزمنية ذاتها. عرف كيف يوحد بين القلوب والعقول. وبين حكام الإمارات وأنماط تفكيرهم ومصالحهم لما فيه مصلحة شعب الإمارات كله. وعرف كيف يحافظ على خصوصية كل إمارة فكان باني الوحدة على قاعدة التنوع. دولة الإمارات هي دولة التنوع في إطار الوحدة وهي التجربة النموذجية التي نتطلع إليها على مستوى مجتمعاتنا المتنوعة ودولنا العربية عموماً.
لقد انتقلت الإمارات العربية مع الشيخ زايد من موقع إلى آخر اكثر تقدماً وحضوراً وتأثيراً على الساحتين الإقليمية والدولية. تميز دورها باحترام الثوابت الوطنية والقومية وبعدم التدخل في شؤون أية دولة أخرى. وكان الاحتكام فيها إلى لغة العقل والمنطق في معالجة كل المشكلات مع الدول المجاورة انطلاقاً من الحرص على الأمن والاستقرار في المنطقة وحقوق الشعوب في التقدم والازدهار.
الشيخ زايد كان فلسطينياً بامتياز، من خلال احتضانه لنضال الشعب الفلسطيني وقضيته. وثمة إنجازات ومؤسسات ومدن وقرى ومخيمات تحمل اسمه في أكثر من موقع ومجال نظراً لمساهماته المتنوعة في خدمة هذا الشعب.
وكان سورياً ولبنانياً في احتضانه حقوق البلدين ونضالهما لتحرير أرضهما من الاحتلال الإسرائيلي ومواجهة التحديات والتهديدات الإسرائيلية المستمرة. ولا ننسى في لبنان وقوفه إلى جانبنا لنزع الألغام المزروعة بين اللبنانيين خلال فترة الحرب ثم لنزع الألغام التي خلفتها إسرائيل في الأراضي التي تحررت من احتلالها. لقد كانت مبادرة الشيخ زايد بتقديم المساعدة المالية والعينية والبشرية لإزالة الألغام من تلك الأرض عملاً كبيراً يشكل جزءاً من عمل المقاومة في التحرير. فإذا كانت تلك الأرض قد تحررت من الاحتلال الإسرائيلي العسكري المباشر فإنها استمرت محتلة لفترة من الزمن بالألغام، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة السباقة في تحريرها. ولا ننسى المساهمات الإماراتية في إعادة اعمار البلاد، وفي مؤتمر باريس 2، كما لا ننسى الاستثمارات الإماراتية في لبنان. وهذا يضاف إلى احتضان دولة الإمارات لآلاف اللبنانيين وعائلاتهم وتكريمهم، وإفساح مجالات العمل أمامهم وقد ساهم ذلك في تعزيز صمود اللبنانيين وبقائهم على أرضهم وفي إنعاش اقتصادهم أيضاً.
كذلك فإن للشيخ زايد مواقف عربية وقومية استشرف فيها في محطات كثيرة المستقبل الذي ينتظر الأمة وأطلق دعوات حكيمة لمواجهتها لكن كثيرين لم يأخذوا بها وآخر مبادراته على هذا الصعيد كانت دعوة الرئيس العراقي السابق صدام حسين للتخلي عن الحكم لإنقاذ العراق وشعبه بعدما سقطت كل المحاولات وكان الإصرار الأميركي واضحاً على شن الحرب على العراق بقرار من الأمم المتحدة أو بدونه. ورغم ذلك كانت الإمارات حاضنة لعراقيين غير مسؤولين عن قرارات صدام، ولمواطنين وعائلات عراقية كما لم تنكفئ دولة الإمارات عن مساندة الشعب العراقي عموماً. كذلك فإن توجهات وسياسات الشيخ زايد تجاه مصر ودول شمال أفريقيا العربية كانت دائماً مبنية على الصراحة والأخوة والسعي إلى تأكيد التضامن العربي.
كل هذه التجربة الغنية وفرت حضوراً دولياً مميزاً للشيخ زايد الموحّد وكرست احتراماً للإمارات العربية المتحدة في كل المحافل والمنتديات.
وإلى جانب كل هذه الخصال تبقى الإشارة إلى الناحية الإنسانية في شخصية ذلك الرجل الكبير النبيل. فالشيخ زايد جسّد العروبة والأصالة بكل ممارساته ومواقفه بفروسيته وكرمه وتحسسه بمشاكل ناسه ومواطنيه وإخوانه ولم ينكفئ عن تقديم المساعدة والعون لكل محتاج دون منة وإعلام ومزايدة ودون غايات سياسية. الشيخ زايد تجربة غنية متنوعة، نبني عليها وعلى إنجازاتها ونستمد منها معرفة وقوة. وتمنياتنا القلبية لمن حمل الراية بعده بالنجاح ومحبتنا الصادقة لأبنائه وإخوانه جميعاً وأملنا كبير بقدرتهم على حماية الإمارات وإنجازاتها وتطويرها.