في هذه اللحظات الحزينة وهذا المصاب الجلل وهذه الخسارة الكبيرة، ليس لنا إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا زايد لمحزونون. لقد فارقنا زايد ونحن في أشد الحاجة إليه. فارقنا الوالد الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، زايد العطاء، زايد الخير، زايد الإنسان والأب والقائد والحكيم، زايد الرجل الذي أصبح ليس فقط رمزاً للإمارات بل للعرب جميعاً. ومن يستعرض سيرة حياة زايد ومسيرته في النهوض بدولة الإمارات سيدرك مدى الخسارة الكبيرة التي يشعر بها شعب الإمارات اليوم بفقد زايد القائد. لقد حوّل زايد أرض الإمارات إلى جنة خضراء جمعها من الفرقة والشتات إلى الوحدة والقوة. حوّل فيها كل شيء إلى عمل ومشاريع وبرامج ونهضة عمرانية وتنموية واسعة يتحدث عنها الشرق والغرب.
إن الإنسان الإماراتي في فكر ونظر زايد هو الثروة الحقيقية وكان هذا واضحاً عندما قال سموه: لقد كنت أفكر دائماً في خدمة أبناء وطني، كنت أفكر في سعادتهم قبل أن تكون لديّ السلطة وقبل أن تتوافر لي الإمكانيات التي أنعم بها الله علينا من ظهور البترول.
لقد حوّل النفط إلى خيرات كبيرة لخدمة شعبه ودولته وأرسى القواعد والأسس والأعمدة الصلبة لصيانة الاتحاد. جسّد لنا زايد المسؤولية في أروع وأحسن معانيها وصورها، حيث كانت القيادة عند زايد تعني المسؤولية والخير والعدالة والمساواة بين أفراد الشعب. وقد تجسّد ذلك بدقة عندما قال: إن من رضا الخالق على عباده أن يأتي إليهم بقائد يرفق بهم ويرحمهم ويعينهم ويصل بهم إلى ما يطمحون إليه من سعادة وأمان.
كان يعرف مفردات الحياة اليومية في الدولة بدقة ويقرأ من خلالها حاجة المواطن والوطن ويعيش كل تفاصيلها، وكان ينظر إلى شعبه بعين الأب الحنون في كل ما يعمله لخدمة الوطن والمواطن حتى أصبح كل واحد منا اليوم يشعر أنه فقد والده الكبير.
إن من ينظر إلى ملامح الاستراتيجية التي اتبعها زايد في كل ملامح حياتنا الحضرية والبدوية، الثقافية والتعليمية والاقتصادية والسياسية سيعرف ويدرك بقوة وعمق أهمية هذا القائد الكبير وخاصة في ظل الظروف الصعبة والأحداث الكبيرة التي مرت بها منطقتنا الخليجية وأمتنا العربية، والتي كنا فيها في أشد الحاجة إلى رؤية زايد وحكمته.
لقد أدرك الشيخ زايد بوعيه العميق وحسه القومي واقع الحال العربي وعبّر عن ذلك قائلاً إن باله لن يهدأ طالما أن هناك دولة عربية واحدة غير مرتاحة لأن المصير واحد. وقد شكلت القضية الفلسطينية الاهتمام الأول في سياسته منذ تسلمه مقاليد حكم إمارة أبوظبي في عام 1966 وكان سموه يؤكد دائماً على أهمية التضامن العربي ووحدة الصف العربي. وكان يقول: إنه لكي تكون أمتنا شيئاً يحسب له حساب ينبغي أن تكون قوية، فالعالم لا يعترف إلا بالأقوياء. لذلك فهو بعد قيام الاتحاد مباشرة قال: إن الاتحاد قام لأنه كان ضرورة يتطلبها أكثر من ظرف وأكثر من سبب أهمها الرغبة الملحة في ربط الشمل وجمع الكلمة في المنطقة باعتبار أن التماسك وجمع الصف وتوحيد النوايا كان الطريق الوحيد للوصول إلى القوة.
سوف يظل زايد في عقولنا وقلوبنا ونفوسنا وعيوننا خالداً على مدى الدهر. سيظل زايد في داخلنا الأب والقائد والحكيم والمدرسة الكبيرة التي نتعلم منها كل يوم معنى القيادة ومعنى المسؤولية ومعنى الحكمة.
رحمك الله يا زايد رحمة واسعة وأسكنك جنة الخلد.