يوم حزين هذا الذي نعيشه ولا نمتلك إلا الدمعة للتعبير عن ما يجيش في السريرة والصمت لعل فيه بعض الراحة لمصابنا الجلل، والدعوات لمن جعل من حياتنا واحات خير وعطاء، فقد فقدنا من كان يملأ دنيانا والدنا وقائدنا المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة رحمه الله، وفي كلماتنا حزن وأسى في هذا اليوم الثقيل، فمصابنا شخصي ومصابنا وطني وفقيدنا والدنا ومؤسس هذا الصرح الشامخ دولة الامارات العربية المتحدة، إنجاز زايد الأهم في حياة مليئة بالانجازات وبالخير وبالعمل، ومن نعم الرحمن علينا أن يكون زايد قائدنا ورئيسنا تشهد على ذلك سيرة عطاء وسجل من الانجازات الملموسة، وهذه البقعة الغالية التي نتشرف بالانتماء إليها هي دار زايد دار الخير وإحدى أهم التجارب الوحدوية في العالم العربي إن لم تكن أهمها، بناها زايد بن سلطان، رحمه الله، بساعده وبعرقه وبجده وأرسى دعائمها بحكمته وببصيرته وخط المسيرة بصبره وبهمته الكبيرة، وكيف يعجز أو يستصعب أو يبخل وهو الرجل الطموح؟ وكيف يتلكأ ويتأخر وهو على موعد مع التاريخ؟ زعيمنا الراحل بذل في سبيل هذا الوطن وفي سبيلنا، أبنائه، كل غالٍ ونفيس، وها هو اليوم يرحل عن دنيانا وهو شيخنا الذي ملأ حياتنا بخيره وهو القلب الذي غمرنا بحنانه والشجرة الوارفة الظلال التي تربينا في عزّها واشتد عودنا تحت فيئها·
بنى فارسنا نهضة شاملة وحوّل الرمال إلى امتداد أخضر واحتضن التعليم ونهض بدور المرأة ونشر الخدمات الاجتماعية والإنسانية مؤسساً مجتمعاً عصرياً متسامحاً ومنفتحاً، مجتمعاً متأهباً لمقارعة هذا القرن الجديد، مجتمعا تتحد فيه السواعد والجهود، ونقول ذلك من واقع المعايش لهذا المجتمع المتآزر والمتكاتف ونحن الشاهدون على مسيرة الخير والتنمية، المسيرة المباركة والتي أصبحت تجربة صلبة نفاخر بها ونبذل الغالي والنفيس فداء لها·
نحن جيل المغفور له بإذن الله زايد بن سلطان، رحمه الله، جيل دولة الاتحاد، تخرجنا من مدرسته وهو الذي جعل بيننا وبين المجد موعداً، ونقلنا في رحلة سحرية من البدايات الأولى والمتواضعة لدولة الاتحاد إلى مثال يحتذى في عالمنا العربي والإسلامي، كيان يجمع ولا يفرق ويحمل رسالته العربية والإسلامية بكل فخر وبروح منفتحة تناسب عصر العلم والتكنولوجيا، فالدولة التي بناها زايد تجاوزت بداياتها الإقليمية والدولية الصعبة وطوّرها الفقيد الراحل إلى دولة عصرية منفتحة ومتسامحة نفتخر جميعاً بها، شباباً وشيوخاً وها هو فارسنا يرحل عن هذه الدنيا وصرح الإمارات شامخ بفضل قيادته الحكيمة ونظرته الثاقبة·
ننعاك يا حكيم العرب وندرك أن فراقك خسارة تتجاوز حدود هذا الوطن لتشمل عالماً عربياً واسعاً عرف أنك صاحب الرأي الخيّر والأيادي البيضاء وعرف أنك أردت لأمتك الاستقرار والعزة والتطور، ونستذكر قول شاعر العرب أبو الطيب المتنبي (رأيتك في الذين أرى ملوكاً كأنك مستقيم في محال)·
زايد رجل الدولة أثبت صفته هذه في أكثر من امتحان ونال تقدير سائر قادة العرب والعالم، فكان رحمه الله يصارح ولا يزايد ويعمل ويبذل ويده الخيرة ممدودة لسائر العرب من الخليج إلى المحيط، مواقفه الجريئة أكثر من أن نعدها هنا، فزايد، رحمة الله عليه، كان زعيماً من الطراز النادر يدرك أن الإنسان هو مواقفه فما بالنا إن كانت هذه المواقف ترتبط بكرامة العرب وعزتهم·
جوانبه الإنسانية عديدة فهو صاحب العاطفة الإنسانية الصادقة والقلب الرحيم ويبرز ذلك من القصص اليومية البسيطة والتي تكشف عن قلب حنون وسريرة كريمة وحب جارف للعدل، وهذا الجانب الإنساني الجذاب للفقيد طال سائر الأسر وبرز من خلال العديد من المواقف الشخصية التي تهز الوجدان وتدعونا للفخر ونحن مرة تلو الأخرى ندرك إنسانية شيخنا وقائدنا، وفي المواقف الإنسانية الكبرى كان الفقيد، رحمه الله، المبادر الأول في تقديم العون والمساعدة والدعم دون شروط أو توقعات ملبياً دعاء المظلوم والمحتاج، ومن خلال عطائه غرس هذه القيم لتكون سياسة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
إنه يوم حزين من أيام هذا الشهر الفضيل ولكنها إرادة الخالق عز وجل وله الحمد وله ما يشاء من الرضا بقضائه، والصبر على بلائه، وهو الحق الذي لا نهرب منه ووالدنا الذي ندعو له بالرحمة وبالمغفرة وعزاؤنا هذا الصرح الذي شيده وأولياء الأمر الذين سيكملون المسيرة، وعزاؤنا أنه قائد مسيرتنا وخالق دولة يفتخر بها العرب جميعاً تضمهم وتدعوهم أن يقتدوا بتجربتها في احترام إنسانها وفي تبنيها لمنهج أساسه العدل والمساواة والتنمية ونعيد قول الشريف الرضي
(ما مات من جعل الزمان لسانه... يتلو المناقب عوداً وبوادي)·
رحمة الله الواسعة على فقيدنا ووالدنا وشيخنا وزعيمنا..