يقف اليوم شعب الإمارات والأمة العربية والإسلامية وجميع أحرار العالم وشرفاؤه، ودموعهم حرَّى في وداع زايد الخير، حكيم العرب، زايد الأب والقائد، زايد الباني والموحِّد، زايد الحاني على أبنائه، الحادب على شعبه وأمته، زايد الذي نذر حياته لخدمة الوطن والأمة والدِّين، وإصلاح ذات البين بين كل العرب والمسلمين. زايد الذي تقف اليوم في وداعه أرامل غزة، ويتامى كراتشي، وفقراء تشاد، والمرضى ضعاف الحال في العراق وفي جميع بلاد العرب والمسلمين، وقد كان لهم جميعاً أباً حنوناً، وقائداً رشيداً يفك أسر العاني، ويسد خلة الفقير، ويداوي جراح النفس الكسيرة، ويصد عاديات الزمان، في شموخ عربي أصيل وكرم نفس جياشة بأرق وأشرف القيم الإنسانية، وأصالة ونقاء سريرة، وإيمان بالله وتعويل عليه وحده ومراعاة لأوامره ونواهيه في التعامل مع الرعية ومع جميع بني الإنسانية.
وداعاً سيدي القائد، نمْ قرير العين في جنة الخلد بإذن الله، فقد جاهدت في الله حق جهاده، وضربت المثل في العدل والرفق بالرعية من أبنائك المواطنين والوافدين وكل من وطئت قدمه هذا الثرى الغالي. لقد بنيت دولة في أصعب الظروف، فحولت الفرقة إلى وحدة، والفقر إلى غنى وسعة حال لعموم أبنائك المواطنين، وحولت الصحراء الجرداء إلى واحات غناء، وأقمت دولة سائرة بإذن الله إلى العلا. دولة لم تترك لأبناء شعبها عدواً واحداً، في عموم العالم. ولم تترك فيها فقيراً ولا مظلوماً ولا سجين رأي. لقد كنت سيدي القائد ضميراً لهذه الأمة، فوقفت مواقف العزة والشموخ دفاعاً عن العروبة في أصعب لحظات الجِلاد، وأحلك ساعات المواجهة، فأصبحت في عيون العرب من المحيط إلى الخليج رمزاً واسماً للعروبة والإسلام، وتجسيداً لكل معاني العظمة والحكمة والعزة والعروبة والنصر، ورفعت رأس كل عربي، وكل مسلم في عموم الأرض.
لقد جعلتنا بعض أحداث المنطقة وما شهدته من تدافع وصراعات وأزمات نرى بعض جوانب عظمة زايد، ولكن بعضها الآخر لم ينلْ بعد ما يستحقه من اهتمام كجهوده في مقاومة التصحر، واهتمامه برفع حالة العوز من عموم أبناء شعبه وأمته، كما لم نولِ جهوده في تطويق العديد من أزمات المنطقة ما تستحقه من اهتمام وتأريخ، وذلك لأنه كان يفعل كل ذلك دون منٍّ أو تظاهر حتى لا تكاد يده اليسرى تعلم ما تعطيه يده اليمنى.
سيدي القائد نمْ قرير العين، فقد أنجزت ما يتعذر على قائد واحد في زمننا هذا إنجازه. والآن سلمت شعلة المسيرة إلى أبنائك وشعبك، بعد أن مهدت الطريق، وذلَّلت العقبات، وجعلت هذه الدولة مضرب مثال في التقدم والنمو والخير العميم الذي تتردد أصداؤه لدى القاصي والداني. وقد تركت الأمانة في أيدي رجال هم خير الخلف لخير سلف. رجال نهلوا من معين عطائك الفياض، وتعلموا على يديك معاني الوفاء والعطاء والعدل والمحبة لكل أبناء هذا الشعب، والولاء لهذا الوطن الغالي، والأمة الكريمة. وعزاؤنا فيك سيدي القائد الوالد يا حكيم العرب، أن المسيرة مستمرة، وأن مآثرك كلها ما زالت بين ظهرانينا، متمثلة في أبنائك الميامين، وإخوانك أصحاب السمو حكام الإمارات، وجميع أبناء شعبك، الذين نهلوا على يديك، وتخرجوا من مدرستك، ويعاهدون الله على السير بكل وفاء وإخلاص على نهجك الخالد، وطريق الخير والحق والعدل والفضيلة الذي اخترته لهم، وجعلتهم بفضله يسيرون من أعلى الدرجات بين الأمم والشعوب إلى أعلى، وأعلى بإذن الله.
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، (إنا لله وإنا إليه راجعون).