الجديد في الرسالة التي وجهها أسامة بن لادن، لم يكن هو محاولته التدخل في انتخاباتنا، لأن هذه المحاولة الفجة لم تنجح، تماماً مثلما أن محاولته ترويع الناخبين الأسبان عن طريق تفجيرات مدريد لم تنجح كذلك.
كما لم يكن الجديد في تلك الرسالة، تلك النصيحة التي وجهها ابن لادن إلى الأميركيين والتي يقول لهم فيها "إن بوش لا زال يخدعكم ويخفي الحقيقة عنكم" والتي تتماثل إلى حد كبير مع خطاب كيري المركزي. كما لم يكن الجديد في تلك الرسالة تلك الحقيقة المحبطة التي تتمثل في أن عدونا العالمي الأول، لا يزال حياً يرزق، بل و مطلق السراح.
الشيء الجديد في تلك الرسالة والذي لم يعلق عليه أحد حتى الآن، هو أن ذلك القاتل الجماعي يسعى إلى التوصل إلى نوع من الهدنة معنا، كما يبدو من النبرة التصالحية الواضحة في الرسالة.
في رسالته قال بن لادن:"إن أية دولة لن تهدد أمننا سوف تظل آمنة... وإن هذا هو السبب الذي جعلنا لا نقوم بمهاجمة دولة مثل السويد على سبيل المثال".
والمغزى الذي لا يمكن إغفاله في تلك الرسالة هو: إنه إذا ما قامت الولايات المتحدة بوقف الحرب التي تشنها على "الإرهاب"، والتي أدت إلى قتل أو أسر ما يزيد عن خمسة وسبعين في المئة من أعوانه المقربين، فإن ذلك سيكون كما قال "الطريقة المثلى بالنسبة لها لتجنب حدوث مانهاتن أخرى".
إن الجنرالات لا يطالبون بالهدنة عندما يكونون منتصرين. فقط المحاربون المضطرون لاتخاذ موقف دفاعي، هم الذين يسعون إلى الهدنة، على أمل أن تمنحهم تلك الهدنة الوقت الكافي كي يقوموا بإعادة تجميع صفوفهم، وإعادة التزود بالمؤن والعتاد.
إن أمل بن لادن الخادع كان هو أن تؤدي هزيمة بوش في الانتخابات إلى إتاحة الفرصة له لسرقة سلاح رهيب، يمكن استخدامه كرادع لمعادلة قوة أميركا.
وبن لادن هو ثاني أجنبي يحاول أن يؤثر في انتخاباتنا في إطار ما يعرف بـ"مفاجأة أكتوبر"، أي المفاجأة التي تحدث في اللحظة الأخيرة قبل الانتخابات الأميركية. أما الشخص الأول الذي حاول ذلك فهو "محمد البرادعي"، رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية، الذي يقال إنه يشعر بالاستياء نتيجة لرفض الإدارة الأميركية دعم محاولته للترشيح لفترة ثالثة وهو أمر غير مسبوق.
فالبرادعي كان على علم لفترة طويلة بوجود "زناد نووي" أو متفجرات تمثل دليلا على طموحات صدام النووية، وذلك في موقع معين من آلاف المواقع التي كان العراق يقوم بتخزين ذخائره فيها.
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها إن البرادعي قد قام في توقيت سياسي حاسم "الأول من أكتوبر"، بإرسال مذكرة إلى وزير العلوم العراقي يجدد فيها اهتمام الأمم المتحدة بتلك المتفجرات على وجه التحديد. وقد استدعت تلك المذكرة أن قام الوزير العراقي- وفقاً للأصول- بالرد على الأمم المتحدة بخطاب بعد تسعة أيام، تسربت نسخة منه على الفور لشبكة "سي. بي. إس نيوز"، التي قامت على ما يبدو بإرسال الخطاب إلى صحيفة "نيويورك تايمز" التي تتمتع بقدر أكبر من المصداقية، كي تقوم بنشر تقارير عنه.
وكانت شبكة "سي. بي. إس" قد اعترفت بأنها كانت تنوي تسريب اتهامات البرادعي المفاجئة، بخصوص فشل قواتنا في تأمين هذا النوع من الذخائر في برنامجها المعروف "60 دقيقة"، بحيث تتم إذاعته يوم 31 أكتوبر أي قبل 36 ساعة من بدء التصويت في الانتخابات الأميركية. وهذا التكتيك الذي يهدف إلى الاحتفاظ بالرواية الخبرية سراً، ثم إذاعتها في التوقيت الذي يمكن لها أن تحدث فيه أكبر تأثير ممكن، تكتيك معروف للعاملين في الصحافة. وكان المهم في مثل هذا الأمر هو اختيار التوقيت الذي لا تستطيع فيه الضحية أن تنكر ما جاء بالتقرير المذكور إلا بعد فوات الأوان وبعد أن يكون الوقت قد أصبح متأخراً جداً.
ولكن "نيويورك تايمز" بما عرف عنها من التزام أخلاقي، رفضت أن تبتلع طعم شبكة "سي. بي. إس" وأن تقوم بنشر تلك الراوية الخبرية في اللحظة الأخيرة، وقامت بدلا من ذلك بنشرها في الصفحة الأولى منذ أسبوع تقريباً. وقد أتاح ذلك الوقت الكافي لشبكات التلفزة الخبرية الأخرى كي تلقي بظلال من الشك على الرواية.
علاوة على ذلك فإن محاولة إظهار قواتنا بصورة سيئة لم تنجح، واستطاع البنتاجون أن يبين أن الكمية المفقودة من الذخائر، تعادل فقط واحداً على الألف من إجمالي كميات الذخائر التي تم العثور عليها وتأمينها وتدميرها بواسطة قوات التحالف.
والسؤال الآن ما هو التأثير الذي سيترتب على ذلك التدخل من قبل الأجانب على قرارات الناخبين الأميركيين في الانتخابات الحالية؟
قبل أن يتم تفنيدها جزئياً، فإن المذكرة الذكية التي أرسلها البرادعي أساءت لبوش لأنها وضعته في موضع المدافع، ولأنها عززت من وضع الديمقراطيين في الأسبوع الأخير السابق على الانتخابات، وهو ما يهم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأن كيري لو فاز فإن ذلك يمكن أن يضمن له فترة رئاسة ثالثة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبعد ذلك جاء شريط زعيم "القاعدة"، والذي قابله بوش ببرو