إن للديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي مرتكزات وأسساً يجب أن تبنى. وهذا يعني أن الديمقراطية ليست أداة جاهزة معلبة تنتظر أن تستخدم فوراً. إن طريق تحقيق الديمقراطية، طريق طويل يجب أن يبدأ بخطوة تليها خطوات من العمل الجاد الواعي، دون الغلو في تقديسها من حيث نظرتنا إلى ما يمكن أن يترتب على وجودها من نتائج، فنرى أن الديمقراطية إذا جاءت (ولا نعرف من أين تأتي وكيف) ستحل كل مشكلاتنا. هذا النوع من التفكير الذي يسود عدداً من المثقفين والسياسيين يجب التوقف عنده. فاختزال المشكلة بأن الديمقراطية أداة أساسية لحل مشكلاتنا هي مشكلة بحد ذاتها، إضافة إلى أن البعض يرى أن شكل ومفهوم ومضمون الديمقراطية المطلوبة هو "الديمقراطية الغربية" دون الأخذ في الاعتبار الوقائع التي تعيشها الدول النامية: كالأمية، والطائفية، والمناطقية ... الخ. كما لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن "الديمقراطية الغربية" الظاهرة لنا الآن، كانت لها مسيرة شاقة وطويلة خلال أكثر من 500 عام مضت. كما أن المستوى الثقافي للشعوب يحدد "وتيرة" استيعاب التعاطي في الأمور في المجتمعات الديمقراطية.
فكيف يمكن تعبئة الوعي دون الأخذ بعين الاعتبار الأرضية "المعرفية" بشكل عام، كما لابد من الانتباه إلى "سلطة المال" الذي يغري ويغوي الرأي عند بعض المثقفين فما بالنا بتأثير ذلك على الفئات العادية التي لا تمتلك الأرضية المعرفية.
ومعظم الباحثين والمهتمين بالشأن العام في الغرب وفي الشرق ينبهون إلى خطورة سيطرة رأس المال بشكل عام والشركات الكبرى بشكل خاص على مقومات الحياة الديمقراطية وسرقة حقوق الإنسان، حتى قبل وبعد التخلص من سيطرة الأنظمة والسلطات على المجتمعات.
فالديمقراطية ليست حرية أحزاب سياسية وانتخابات فقط، بل هي حضارة وتفاصيل حضارية تبدأ من: التعليم، والصحة، والثقافة، والفنون، والعمران، وتنتهي بأدق التفاصيل اليومية. الديمقراطية ليست وجاهة اجتماعية، بل هي رقي حضاري، وإذا لم تحقق ذلك فستكون عبئاً سياسياً جديداً على المجتمعات الشرقية، وستتحول إلى "مادة استهلاكية" سياسية للتنفيس ونفخ العقد السياسية ودفعها إلى السطح.
فائز البرازي - أبوظبي