يعتبر التأمين من أهم الاختراعات التي أفرزتها الأبحاث والنظريات الاقتصادية قبل أن يستوعبها الواقع الاقتصادي ويدرك أهميتها. ويعتبر التأمين اليوم من أهم أركان ومقومات الأنظمة الاقتصادية، حيث يشمل التأمين كافة القطاعات الاقتصادية على مستوى الحكومات والمنشآت والأفراد، التي استوعبت نظرية التأمين وآمنت بأهميتها. فحسناً فعلت وزارة الاقتصاد عندما قررت السماح للشركات الأجنبية بفتح فروع جديدة لها في سوق التأمين بالدولة بعد فترة إغلاق استمرت أكثر من 18 عاماً (أي منذ 21 مايو 1986)، فالمنافسة الحرة هي المبدأ الاقتصادي الذي تتبناه الدولة منذ تأسيسها. والمنافسة الحرة هي مفتاح للجودة، ولكفاءة الأداء، وللأسعار التنافسية العادلة لكافة الأطراف، وللبحث والتطوير وإدخال أدوات جديدة واقتحام مجالات جديدة في قطاع التأمين من أجل إرضاء المستهلكين لهذه الخدمات.
وحسناً سوف تعمل الوزارة لو ألغت تراخيص وسطاء التأمين، وجعلت وساطة التأمين من ضمن الأنشطة المصرفية للبنوك فقط. أو سمحت بإنشاء شركات وسطاء تأمين كشركات مساهمة عامة مدعمة بالخبرات اللازمة، وذلك لعدة أسباب أهمها:
اولا: أن الدور الفعلي الذي يقوم به وسطاء التأمين اليوم على أرض الواقع هو في الحقيقة دور هامشي جداً، ولا يضيف قيمةً مضافةً حقيقيةً إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة، حيث إن سوق التأمين في الدولة سوق صغيرة وبإمكانها العمل بكفاءةٍ عاليةٍ بدون وسطاء تأمين. وذلك لأن بعض شركات التأمين الوطنية القائمة حالياً متناهية في الصغر بحيث لا يمكن تمييزها عن وسطاء التأمين. وأن ذلك في الحقيقة قد يخلق سوء فهم وغرر غير مقصود لدى كثير من العملاء فيعتقدون بأن وسطاء التأمين هي ذاتها شركات تأمين.
ثانيا: يفترض بوسطاء التأمين أن يتيحوا للمستهلك لخدمات التأمين خيارات وأنواعا مختلفة من الخدمات وأن يوضحوا له أسباب ومبررات تفاوت الأسعار بين شركات التأمين. بيد أن ما يحدث بالفعل في أرض الواقع غير ذلك تماماً، وخاصةً في سوق المفرق، حيث نرى أن بعض الوسطاء يرجحون للعميل شركات تأمين معينة لأسباب غير موضوعية وغير واضحة أحياناً، وقد يغررون بالعملاء الأفراد الذين يجهلون لعبة السوق، فلا يشعر العميل بذلك إلا بعد حدوث الحوادث التي يغطيها التأمين، وذهابه للحصول على حقوقه من شركة التأمين.
ثالثا: يؤدي وجود الوسطاء حتماً إلى زيادة تكاليف التأمين، التي بلا شك سوف تنعكس في أسعار التأمين، ومن ثم سوف تؤدي إلى زيادة الأسعار، مما ينعكس بدوره في تكاليف الإنتاج ويؤدي إلى زيادة معدل التضخم النقدي.
رابعا: يؤدي وجود وسطاء التأمين إلى زيادة القوى العاملة الأجنبية، والتي قد تكون في الحقيقة بطالة مقنعة غير مبررة اقتصادياً إطلاقاً.
خامسا: تفتقر مكاتب وسطاء التأمين إلى الخبرة في مجال التأمين. حيث أن خبرة المكاتب لا تتعدى الوساطة التقليدية العارية من أي اهتمام بالعملاء.
سادسا: من الممكن أن يعهد بوساطة التأمين إلى البنوك أو إلى الوسطاء الماليين، وذلك من منطلق أن قطاع التأمين هو في الأساس جزء من القطاع المالي، حيث تتجمع لديه أموال متراكمة بشكل أقساط تأمين يتم إيداعها في المصارف التجارية مقابل فوائد مصرفية، حيث تشكل الفوائد المصرفية جزءا أساسيا من الإيرادات المالية لكافة شركات التأمين. كما أن وساطة البنوك في التأمين ليس نشاطاً غريباً، وإنما هو معمول به في كثير من دول العالم.
والحقيقة أن إعادة السماح بترخيص فروع شركات أجنبية في سوق التأمين في دولة الإمارات يحتاج إلى تشجيع اندماج شركات التأمين الوطنية القائمة، ورفع الحد الأدنى لرأس المال إلى 500 مليون درهم. وتشجيع شركات التأمين لاقتحام مجالات وأنشطة جديدة، حيث أن مجالات التأمين لا تحدها سوى حدود الأنشطة الاقتصادية. فهناك الكثير من مجالات التأمين، التي تتضمن درجات عالية من المخاطر، تخشى شركات التأمين الوطنية من اقتحامها، إلا بتغطية من إعادة التأمين لدى شركات تأمين أجنبية. كما أن هناك العديد من مجالات وأنشطة التأمين التي لم يتم إثارتها إطلاقاً من قبل شركات التأمين الوطنية القائمة، بحجة أن السوق لم يطلبها. فكما أشرت سابقاً، أن التأمين هو أصلاً اختراع وإبداع أنتجه الفكر البشري ولم تنتجه الممارسة، أي أن العرض فيه يسبق الطلب. بيد أن العرض لا بد وأن يكون مبنياً على دراسة وتشجيع للطلب.
فالطلب قد لا يقوم بلا مبادرة وحافز وتشجيع (أي تسويق سابق له). وإن ذلك قد يتطلب تكتل شركات التأمين الوطنية لإنشاء أكثر من شركة مساهمة عامة لإعادة التأمين. حيث أن ذلك من شأنه أن يوفر حماية وتغطية لشركات التأمين، ويدعمها، ويمنحها قدرة عالية على المنافسة. كما أن وجود شركات إعادة التأمين الوطنية المدعمة بالخبرات اللازمة سوف يشجع شركات التأمين الوطنية على اقتحام مجالات التأمين التي لم يتم اقتحامها بعد، وسوف يؤدي إلى نمو وتطور صناعة التأمين في الدولة. وقد يمتد ذلك النمو والإندماج بين شركات التأمين ليشمل ش