من المتوقع أن يدلي حوالى 50 مليون مواطن أميركي بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء المقبل من خلال الشاشات الإلكترونية التي تعمل باللمس. ولو كنت قاضياً في هذه الانتخابات، لتوقعت أن الناخبين سرعان ما سيقعون في غرام هذه الماكينات التي تتمتع بسهولة الاستخدام وتجتذب أولئك الناخبين الذين يعانون من إعاقات جسدية أو لا يجيدون التحدث بالانجليزية. ولكن كخبير كمبيوتر فحكمي إن هؤلاء الناخبين بالتأكيد لن يدركوا مدى خطورة الاعتماد على هذه الماكينات من أجل إجراء انتخابات عادلة وحرة تتمخض عن نتائج تتمتع بالمصداقية.
إن ممارسة الانتخابات على ماكينة التسجيل الإلكتروني المباشر أشبه إلى حد كبير بعملية تحويل مبلغ من حساب إلى آخر على ماكينة الصرف الآلي، ولكن باختلاف واحد بالغ الأهمية والحسم وهو عدم استلام إيصال بالدفع. لذا فإن الأمر سوف يخلو من وسيلة مادية ملموسة يمكن استخدامها لاحقاً من قبل مجلس الانتخابات المحلي، على سبيل المثال لإثبات الجهة التي ذهب إليها صوتك. وبعد أن تحدد الجهة التي تصوت لها في ماكينة التسجيل الإلكتروني المباشر فإن السجل الرسمي الوحيد لاختياراتك سوف يكون هو السجل الإلكتروني الموجود في داخل النظام نفسه. لن يكون مطلوب منك النظر إلى قطعة ورق تؤكد خيارك بين المرشحين، تماماً كما لن تترك خلفك قطعة ورقية في حالة أن اضطر المسؤولون لإعادة احتساب عدد الأصوات. وبدون بطاقات الانتخابات الورقية التي يمكن تفحصها بشكل ملموس فإن عملية إعادة احتساب الأصوات الوحيدة التي يمكن إجراؤها هي مراجعة أصوات الناخبين التي سجلها النظام على ماكينة التسجيل الإلكتروني المباشر نفسها، وفي حال تم تسجيل هؤلاء الناخبين بشكل خاطئ فإن عملية إعادة احتساب الأصوات لا يمكنها على الإطلاق تصحيح هذا الخطأ. إذاً فإن النتيجة الخاطئة لا يمكن أيضاً اكتشافها ناهيك عن إصلاحها.
إن حدوث النتائج الخاطئة أمر وارد الاحتمال، ونسبة للمشاكل التي شهدتها ولاية فلوريدا في انتخابات عام 2000 فقد حدثت ضغوط في كامل أنحاء الدولة بوجوب تبني استخدام ماكينات التسجيل الإلكتروني في الانتخابات. وأصبح من المقرر أن يتم استخدام شاشات اللمس في هذه الانتخابات على الرغم من أن العديد من الدراسات التي قمت بها وتلك التي أجراها العديد من زملائي الآخرين توضح أن هذه الماكينات من إنتاج شركة "دايبولد لأنظمة الانتخابات" تفتقر إلى التصميم الجيد وتنذر بوقوع أخطاء أمنية عديدة بالإضافة إلى أخطاء تتعلق بالبرمجة. علماً أن حوالى ثلث الناخبين في جميع أنحاء الدولة سوف يدلون بأصواتهم إلكترونياً. إن الأعطال الفنية والماكينات القابلة للأعطال - وهي نفس أنواع المشاكل التي تطرأ على أنظمة الكمبيوتر- يمكن أن ينتج عنها فقدان وضياع أصوات الناخبين وبشكل لا يمكن استردادها مرة أخرى.
أما الأسوأ من ذلك فهو أن هذه الماكينات الإلكترونية قد يصبح من الممكن ممارسة التلاعب من خلالها أو تلفيق نتائجها من غير أن يتم اكتشاف هذا التلاعب نسبة لمدى التعقيدات الموجودة في برنامج المعلومات الذي يدير هذه الماكينات. وفي الوقت الذي لم يعد فيه بإمكاننا تقليص أو إزالة إمكانية تزوير أو التلاعب بالانتخابات فإن آثار هجوم على نظام التسجيل الإلكتروني المباشر سوف يكون أكثر خطورة من نتائج التلاعب أو التزوير بماكينات الانتخابات الميكانيكية التقليدية التي تعتمد أنظمتها على البطاقات الورقية. وذلك لأن أي فيروس يدخل إلى برنامج المعلومات الخاص بنظام الانتخاب الإلكتروني عمداً أو بغير قصد سوف تكون لديه إمكانية تغيير النتائج في أكثر من منطقة انتخابية معزولة. وبذا يمكن أن يكون له تأثير على إجمالي الأصوات في آلاف الماكينات الموجودة في المئات من المواقع الانتخابية.
وبدون شك فإن الانتخابات بطبيعتها تدعو إلى استنفار روح المغالطة والمنافسة. وفي الانتخابات التي تتم بنجاح يجب أن يقتنع الخاسر بنفس المستوى الذي يقتنع فيه الفائز، بأن النتيجة التي تمخضت عنها الانتخابات قد اتسمت بالنزاهة والشرعية، على الرغم من أن الموالين للحزب الأقوى هم الذين يديرون الماكينات أو العملية الانتخابية. ولعل أكثر ما يميزنا من الناحية الأمنية في الولايات المتحدة الأميركية هي أن أعضاء من الحزبين الرئيسيين عادة ما يحضرون ويراقبون بعضهم البعض في كامل المرحلة الانتخابية. وبلا شك فإن هذه الفائدة الأمنية سوف تتبدد تماماً عندما يختفي الناخبون وتصبح عملية احتساب الأصوات تجري بشكل إلكتروني غير ملموس. لذا فإن أنظمة التسجيل الإلكتروني المباشر هذه تعمل بالضرورة على تقليص مستوى الشفافية في عملية الانتخاب بينما تصبح عمليات الاحتساب والسيطرة التقليدية فاقدة جدواها وفاعليتها. وحتى إذا ما بدت هذه الانتخابات يوم الأربعاء القادم أنها ناجحة فلن تكون هناك طريقة لمعرفة أو التأكد مما إذا تم الإيفاء برغبات وحقوق المواطنين بشكل كامل. بل وحتى في حالة عدم حدوث مشكلة يوم الثلاثاء فإن هذا الأمر لن يعني أن الان