خمسة أخطار على الأقل يتحدث عنها المسؤولون اللبنانيون وتشكل أساساً في الخطاب السياسي شبه اليومي، ولنقل في الخطاب الاستراتيجي عندهم. البعض يستخدمها لتبرير مواقفه وممارساته وسياساته السلبية في الداخل، كما يستخدمها البعض الآخر لترهيب فريق من اللبنانيين من إمكانية حدوث بعضها - أي بعض الأخطار - وترهيب آخر من خلال محاولة تحميله مسؤولية بعضها! والأخطار هي: استهداف إسرائيلي. استهداف أميركي. توطين الفلسطينيين. تنامي دور الأصوليات. الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الخانقة. إنها أخطار حقيقية وفي معزل عن مناقشة أسبابها، إلا أن كل واحد منها يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتعمق والتحميص والخطط والأفكار لمواجهته. ولكن، إذا كانت إسرائيل وأميركا تستهدفان لبنان فليس في الأمر شيء غريب. وليس مهماً ما ستفعله أميركا وإسرائيل فقط، بل الأهم ما يجب علينا أن نفعله نحن قبل أن تقدم هاتان الدولتان على مهاجمتنا. الأهم أن نعرف نحن كيف ندير معركتنا. كيف نحمي بلدنا وخياراتنا وإنجازاتنا وانتصاراتنا. وهنا تطرح أسئلة عديدة:
أولا: هل نضمن نجاحنا في إدارة الأزمات ومواجهة التحديات بعدم مناقشتها في المؤسسات حيث تكون بلورة القرارات والخطوات؟ أم بالتخبط والفوضى بعد إضعاف المؤسسات بسبب الخلافات على المحاصصات واعتماد سياسة تصفية الحسابات؟ أم بالتناقض في المواقف، وباستفزاز الداخل كما الخارج؟ أم بالتسرع والانفعال والارتجال والاستخفاف بالعلاقات مع الدول والمنظمات والهيئات الدولية وبأهمية التحالفات والصداقات الدولية وتوسيع دائرة الاتصالات؟.
وهل نضمن نجاحاً، باعتماد سياسات، وقنوات متناقضة في تمريرها لنصل إلى حد يشعر فيه وفد لبنان في الأمم المتحدة وكأنه كان في عزلة، يعيش حالة حظر عليه، رغم الجهود التي بذلها رئيس وأعضاء الوفد لشرح الموقف اللبناني؟.
ثانياً: هل نؤكد حضورنا وقدرتنا على مواجهة الاستهدافات الأميركية والإسرائيلية بسياسات داخلية تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والخلافات والاحتقانات التي تتحول إلى انفجارات؟ وبسياسات خارجية فيها من الغرور والعنتريات ما يؤدي إلى كوارث وانهيارات، وأميركا الدولة الأعظم في لبنان تتعرض إدارتها – قيادتها – إلى كثير من الانتقادات والاتهامات بالتورط في حرب العراق وتنعت بالغطرسة والمكابرة والغرور والعناد الأمر الذي أوصلها إلى مأزق في العراق وأحياناً إلى ما يقارب العزلة في العالم. فهل نواجه الأخطار المحدقة بنا دون التطلع إلى الوقائع والحقائق ونتعلم من تجارب الآخرين؟.
ثالثاً: إذا كان التوطين خطراً وهدفاً إسرائيلياً قديماً، فهل نواجهه وننتصر عليه بالبيانات والتطمينات الكلامية والعنتريات أيضاً، والتمسك بالقرار 194 (وهذا ضروري) ولبنان كله أصبح في دائرة المراقبة الدولية بعد صدور القرار 1559؟ وبالتالي هل نخوض معركة مع مجلس الأمن والأمم المتحدة تحت عنوان تطبيق القرار الأول قبل الثاني مثلاً في ظل موازين للقوى الدولية ليست بالتأكيد لمصلحتنا وقد تصدر قرارات أخرى تستهدفنا أيضاً؟ فهل تكون مواجهتنا للأخطار، بتقديم المزيد من الذرائع للمستهدفين؟
وهل نواجه التوطين في ظل إجماع لبنان على رفضه بخطوات وسياسات تكرس الانقسام وتشعر فريقاً من اللبنانيين أن الحديث الدائم عن التوطين هو تمرير سياسات وأهداف أخرى تندرج في سياق لعبة سياسية داخلية؟ وهل نواجه التوطين بمزيد من الحصار على المخيمات وتكريس حالة الفقر والأمراض والإذلال التي لن تولد إلا الانفجار؟ أم بإبقاء السلاح الفلسطيني في المخيمات ومحاولة استخدامه في تحريض الفصائل ضد بعضها بعضاً لإبقاء الخطر الفلسطيني قائماً أمام الجميع وبالتالي تبرير القبضة الأمنية من جهة ومحاولة الإمساك بالورقة السياسية الفلسطينية من جهة أخرى؟
رابعاً: إذا كان ثمة خطر في تنامي الدور الأصولي فهل نواجهه بمزيد من التشدد والقمع وضغط الإعلام واستمرار سياسة إهدار المال العام والفوضى في المؤسسات وانعدام الرؤية الإنمائية والتنموية الشاملة مما يضاعف الفقر ويدفع الناس إلى مزيد من الكراهية والحقد على الدولة ومؤسساتها؟ فكيف إذا كنا في مجتمع لا تزال فيه الانقسامات الطائفية كبيرة، ولم ننجز فيه كتاب تاريخ واحداً أو كتاب تربية واحداً، ويشعر الجميع أن ثمة حالة من التفكك الحقيقي على المستوى التربوي والتعليمي وضغطاً على مستوى أداء المؤسسات التربوية والجامعية الرسمية؟.
خامساً: إن ثمة أزمة مفاهيم ومعايير، وبالتالي أزمة ثقة كبيرة بين اللبنانيين وبينهم وبين الدولة عموماً. ألا يولد ذلك وفي ظل القهر والظلم وما يحيط بنا من أحداث وتطورات مزيداً من الانغلاق والتعصب عندما تشعر فرق أو جماعات بشيء من التهميش والاستهداف؟. ألا يؤدي ذلك إلى تفريخ أصوليات من كل نوع في كل البيئات والمناطق والمجتمعات؟. وهل يكون تعامل الدولة مع ذلك من موقع رد الفعل وباعتماد الخيار الأمني غير المبرر أحياناً كثيرة لتسديد فاتورة لهذه الجهة الدولية أم تلك؟، أم أنه يأتي من خلال سياسة