يصل الرئيس العراقي الشيخ غازي الياور إلى الكويت في زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها لدولة لكويت جارة جمهورية العراق. الزيارة هذه، زيارة غير عادية بكل المقاييس، فلم يسبق أن زار رئيس عراقي دولة الكويت، وكانت المقاطعة الرئاسية العراقية لدولة الكويت تشكل هاجساً كويتياً مقلقاً، وكانت تمثل للحكومات المتعاقبة على بغداد موقفاً من الكويت كدولة وكيان، ومن هنا فإن هذه الزيارة ليست زيارة عادية. كان الاستثناء الوحيد زيارة الرئيس العراقي المخلوع –صدام حسين- للكويت أثناء احتلالها عام 1990، وصلى قبالة البحر شرقاً أثناء الزيارة.
قد يكتفي الكويتيون في هذه المرحلة برمزية الزيارة، وبرسالتها الإيجابية، والتي مفادها أن العراق القادم هو عراق مسالم يمد يد الأخوة قولا وفعلا، لا قولا فقط كما مارسته كافة الحكومات العراقية السابقة منذ إنشاء دولة العراق الحديث عام 1920. وسيجد الزائر الكبير كل حفاوة وترحيب، لصفته ولشخصه. ولكن أموراً أخرى ستدور وراء الكواليس، ورسائل ستترجم للرئيس العراقي بكل ود ودبلوماسية، ومفادها أن أي حديث عن تصفية استحقاقات المرحلة الصدامية بين الكويت والعراق لن يتم خارج أطر القانون الدولي، وبأن أية تصريحات من أي مسؤول عراقي مهما كان موقعه عن أية قضية في هذه المرحلة بالذات، لن تكون مفيدة في لملمة الجراح وإغلاق الملفات.
لم يكن اختيار الرئيس العراقي للكويت كمحطة أولى لجولته الخليجية عشوائياً، ومن الواضح أنه محاط بثلة خبيرة بشؤون الخليج وشجونه. واختيار الكويت يوفر على الرئيس العراقي تساؤلات خليجية يمكن طرحها نيابة عن الكويت لو لم تكن هي المحطة الأولى.
العراقيون يتطلعون- تطلعاً مشروعاً- إلى آراء وقرارات خليجية تساندهم وتعاونهم في الخروج من المحنة، ويدركون في الوقت نفسه أن الخروج من المأزق يتطلب مساندة عربية- هي خليجية بالدرجة الأولى- وأن الهواجس الخليجية التي خلفتها المرحلة السابقة لا يمكن تجاوزها بالمجاملات فقط. وفي الوقت نفسه، فإن الطموح العراقي المشروع يرى منطقياً أن على الخليج أن يبادر نحو فتح الأيادي للمساهمة في خروج العراق من المدار الدامي الذي لو تفاقم واستمر، فإن ناره ستأتي على الجميع دون استثناء.
الرئيس الشيخ غازي الياور أثبت قدرة رمزية أثناء شهور رئاسته السابقة من خلال تصريحات متفائلة وواقعية في آن واحد تبشر بعراق جديد. فرمزيته تتجاوز الطائفة في العراق، بل والعشيرة إلى خارج العراق. وأطلق تصريحات في الشأن العراقي والإقليمي والعالمي تعكس بعدا في النظرة، وآمالا تشاطره إياها غالبية الشعب العراقي المنكوب. كانت التكهنات قد أثارت وجود خلافات بينه وبين رئيس الوزراء الدكتور إياد علاوي، ولكن سرعان ما تجاوزها الرجلان بحنكة تقطع الطريق أمام من يحاول أن يخلق علاقة "لحورية" (نسبة إلى الرئيس إميل لحود ورئيس وزارئه السابق رفيق الحريري في لبنان) بينهما. ومارس الرئيس العراقي دوره الهادئ في محاولات التهدئة وإطفاء بعض الحرائق، بينما مارس رئيس الوزراء دوره المشروع في محاولة ضبط الأمور وفرض سيادة القانون في العراق.
وأظن أن الملفات العراقية- الخليجية سوف تفتح جميعاً أو تناقش خلال زيارة الرئيس العراقي، ليس فقط بسبب ظروف توقيتها ولكن أيضاً للصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس، والحكومة العراقية المؤقتة. إنها زيارة مهمة وإشارة تبشر بمرحلة مختلفة جداً بين العراق وجيرانه، وقد تكون برمزيتها لبنة لأساس متين من العلاقات بين عراق المستقبل وجيرانه.
لست أدري لماذا تردد في ذهني بيت من الشعر لراكان بن حثلين:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان*** والهرج يكفي صامله عن كثيره.