التغير المناخي واحد من أصعب وأخطر التحديات التي تواجه البشرية في الوقت الراهن. وهو خطر لأن المناخ هو الوعاء الذي تتم بداخله جميع العمليات والتحولات البيئية. وهو صعب لأن السبب الرئيسي في التخريب البيئي – انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من نواتج احتراق الوقود الأحفوري- ينتج عن العملية التي يتم بموجبها توفير 80 في المئة من احتياجات العالم من الطاقة. والتقنيات المستخدمة في هذا الشأن لا يمكن تغييرها- بطريقة تؤدي في النهاية إلى التخلص من هذه المشكلة- قبل مرور بعض الوقت، ودون تكبد تكاليف باهظة.
علاوة على ذلك نجد أن درجات الحرارة آخذة في الارتفاع، وهو ما يبدو بوضوح إذا ما عرفنا أن تسعة عشرة من بين العشرين مرة التي وصلت فيها الحرارة إلى أعلى معدلاتها منذ عام 1860 (وهو العام الأول الذي بدأ فيه رصد درجات الحرارة)، قد حدثت بعد عام 1980، وأن أثنتى عشرة مرة من بين تلك المرات قد حدثت بعد 1990، وأن عام 1998 كان أكثر الأعوام حرارة في تاريخ درجات الحرارة المسجلة، بل لعله يكون العام الأكثر حرارة منذ ألف عام، وأن عام 2002 هو الثاني في ترتيب أكثر الأعوام حرارة، وأن عام 2003، هو الثالث في ترتيب تلك الأعوام، وأن الخمسين عاما الأخيرة هي الأشد حرارة خلال الستة آلاف عام الأخيرة من تاريخ البشرية. ويشار في هذا السياق إلى أن درجة حرارة المحيطات، قد ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الفترة الواقعة بين منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ومنتصف التسعينيات.
والدلائل على التغير المناخي كثيرة وواسعة الانتشار: فالتبخر وسقوط الأمطار يتزايدان. وعدد مرات الأمطار التي تتخذ شكل الوابل تتزايد هي الأخرى، كما يذوب الجَمَد السرمدي Permafrost (طبقة متجلدة باستمرار على عمق متفاوت تحت سطح الأرض في المناطق القطبية المتجمدة)، ويتغير لون الشعاب المرجانية إلى الأبيض، وتتراجع مساحة الأنهار الجليدية، ويتقلص ثلج البحار في نفس الوقت الذي ترتفع فيه مستويات البحر، وتزداد فيه أعداد الحرائق الكبيرة، وتزداد الأضرار الناتجة عن العواصف والفيضانات.
والواقع أن تلك الظواهر الدالة على التغير المناخي، والتي أمكن رصدها بوسائل الرصد المختلفة، تتسق مع التنبؤات التي توصل إليها علماء المناخ فيما يتعلق بالإحماء الحراري الناتج عن الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية. ويذكر أنه لم يتم التعرف على سبب آخر لتلك الظاهرة غير هذا السبب حتى الآن. حيث تشير جميع الأدلة والبراهين المتوافرة إلى متهم واحد هو الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية.
وأفضل التقديرات التي توصل إليها علماء المناخ بصدد تأثير تلك الغازات على ظاهرة الإحماء الحراري يمكن بيانها على النحو التالي: ستؤدي زيادة كميات الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية إلى زيادة مقدارها 2- 4 درجة مئوية في متوسط درجات الحرارة على سطح الأرض في العقد الواحد، وهو ما يعني ارتفاعاً في درجات الحرارة بمقدار 2 – 4 خلال الفترة من الآن وحتى عام 2100. أما ارتفاع درجة الحرارة في وسط القارة الأوروبية، فسيكون أكثر من هذا المعدل بمرتين إلى ثلاث مرات. وفي هذه الحالة ستكون الأرض قد أصبحت أكثر حرارة من أي وقت من الأوقات خلال المئة وستين ألف عام الأخيرة. أما مستوى سطح البحر فسيكون أكثر ارتفاعاً بمقدار يتراوح ما بين 20- 100 سم مقارنة بارتفاعه اليوم. وهذا الارتفاع في متوسط درجات الحرارة، سيؤدي بدوره إلى تغييرات رئيسية في الأنماط المناخية: مسار العواصف، توزيع الأمطار، ودرجات الحرارة والبرودة القصوى.
ووفقاً للدراسات التي قامت بها "لجنة الأمم المتحدة البين حكومية للتغير المناخي" فإن عدد النتائج السلبية يفوق عدد النتائج الإيجابية في تلك التغيرات المناخية حيث يتوقع حدوث ما يلي: انخفاض في كميات المحاصيل في معظم المناطق المدارية وشبه المدارية وفقاً لكل نوع من أنواع الزيادة في درجات الحرارة المشار إليها أعلاه. انخفاض عام في كميات المحاصيل في باقي مناطق العالم- مع بعض الاختلافات من منطقة لأخرى- مقابل الزيادة في درجات الحرارة أكثر من عدة درجات مئوية في المناطق متوسطة البعد عن خطوط الاستواء. نقص كميات الماء المتاحة للسكان في العديد من الدول التي تعاني من الشح المائي، وخصوصاً في المناطق شبه المدارية. زيادة في نسبة الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى مثل الملاريا، أو التي تنتقل عن طريق الماء مثل الكوليرا، وزيادة حالات الوفاة المرتبطة بالتعرض لدرجات حرارة مرتفعة. زيادة عدد مرات الفيضانات التي تتعرض لها المناطق المأهولة. وزيادة الخسائر الناتجة عن الأمطار الكثيفة أو بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية اللازمة لتبريد الجو خصوصاً في فصل الصيف.
أما التأثيرات النافعة المستهدف تحقيقها بالاستفادة من ظاهرة الإحماء الحراري فهي: زيادة كميات المحاصيل في المناطق متوسطة البعد من خط الاستواء بسبب الزيادة الطفيفة في درجات الحرارة. زيادة كميات الأخشاب الواردة من الغابات التي تتم إدار