على رغم المزاعم التي لا تزال تروج لها إدارة بوش حول كون العالم سيصبح أكثر أماناً بعد الحرب على العراق، إلا أن عامة الشعب الأميركي غدت أكثر وعياً وخوفاً من ذي قبل، بمدى الخطر الذي يحدق بحياته وأمنه في الداخل، ناهيك عن الخطر الذي يحدق بأمن بقية الدول الغربية ودول العالم الأخرى. وازداد وعي الأميركيين بخطر الأسلحة البيولوجية والكيماوية، الذي أصبح أمراً غير مستبعد، إثر الهجمات التي تعرضت لها بلادهم في الحادي عشر من سبتمبر. لكن ومن خلال هذا الكتاب، يدق المؤلف جرس الإنذار ضد الخطر النووي، الذي يتوفر أكثر من سبب واحد للتخوف منه قبل غيره، ومن ثم العمل على الاحتياط منه وتحييده وتفاديه. هذا هو ما يناقشه جراهام أليسون، مؤلف هذا الكتاب وأحد أبرز خبراء الأسلحة النووية والأمن القومي.
يؤسس جراهام أليسون كتابه على فرضية رئيسية تقول إن الإرهاب النووي، أصبح حقيقة لا يمكن الاستخفاف بها ولا التقليل من شأنها، بل إنه يعدُّ مهدداً لا مفر منه في عالم اليوم. ثم يمضي خطوة إلى الأمام في محاولة رسم صورة عامة لشكل هذا الخطر، وما هي الأطراف المحتملة فيه، وصولا إلى كيفية تفاديه. ومن مجموع الأسئلة التي يطرحها المؤلف حول: ما هي الجماعات التي تقف وراء هذا الخطر؟ من أين لها أن تحصل على المواد النووية؟ ما هي نوعية المواد المتاحة لها؟ متى يمكن استخدام السلاح النووي في هجمات فعلية ضد الولايات المتحدة الأميركية؟ وغيرها من أسئلة، يحدد المؤلف الإطار الأول الخاص بمدى جدية الخطر النووي الذي تواجهه أميركا، كي ينتقل إلى الجزء الثاني من الكتاب، الذي يناقش فيه كيفية تفادي الخطر النووي.
في الإطار الأول المتعلق برسم حدود الفرضية، يقول المؤلف إن الخطر النووي سيظل قائماً وجدياً، متى ما ظلت المواد النووية التي يمكن أن تصنع منها الأسلحة، على هذه الحالة من انعدام الأمان، وغياب أسس ومعايير الحفظ السليم لها في أنحاء مختلفة من العالم. ولذلك فإن هذه المواد تظل متاحة، ويمكن لمن يسعى وراءها الحصول عليها، سواء من السوق الرسمية أم السوق السوداء، وأن مشكلة الحصول عليها، هي مشكلة وقت لا أكثر. أما الجانب الآخر من جدية هذا الخطر، فيتمثل في جدية الجماعات الإرهابية نفسها - مثل تنظيم القاعدة وغيره- في كراهيته للغرب عموماً ولأميركا على نحو خاص، ومن ثم تطويرها المستمر لأساليب عملها، وسعيها للحصول على الأسلحة النووية بأي ثمن كان، لعلمها أن السلاح النووي، هو الأكثر كفاءة وقدرة على أن يجعل من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مجرد عرض تمهيدي لمشهد الموت القادم، الأكثر سفكاً ودموية على الإطلاق.
في هذا يقول المؤلف تحديداً، إذا كان تنظيم "القاعدة" وحده، يتوعدنا بقتل أربعة ملايين أميركي على الأقل، فإن رقماً كهذا لا يشير إلا إلى شيء واحد، هو اعتزام التنظيم اللجوء إلى استخدام القنابل القذرة ضدنا. كما يشير هذا التهديد إلى أن حكومتنا تكاد لا تفعل شيئاً إزاء هذا التهديد الجاد والخطير. وفيما لو واصلت حكومة الولايات المتحدة وغيرها من حكومات الدول الأخرى، ما تفعله اليوم، فإن خطر الهجوم النووي، يكون أكثر ترجيحاً من أي وقت مضى، في المستقبل القريب.
وعلى الرغم من تأييد أليسون للحرب التي شنتها إدارة بوش على الإرهاب بمختلف أشكاله وأنواعه، إلا أنه ينتقدها على تقصيرها وعجزها عن أن تفعل شيئاً جدياً، وتقدم استراتيجية بديلة لحماية الأمن القومي. ولا يقصر أليسون المسؤولية عن التقصير على إدارة بوش وحدها، بل يشمل الإدارات المتعاقبة التي سبقته، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على الأقل. وضمن ذلك يشير المؤلف إلى الإخفاق الاستخباراتي المستمر في معرفة أين توجد تلك الحقائب التي لا يقل عددها عن 84 حقيبة، التي كان يحتفظ بها جهاز المخابرات السوفيتي "كي. جي. بي" لأنها كانت معبأة بالمواد النووية من يورانيوم وبلوتونيوم وغيرها! يشير المؤلف إلى هذا الفشل، باعتباره دليلا على العجز في تجفيف مصادر هذه المواد الخطيرة، وإحكام الرقابة الدولية الصارمة عليها. كما يورد المؤلف نموذجاً آخر للفشل الأميركي والدولي في فرض إرادة المجتمع الدولي على بعض دول العالم الثالث، التي فرضت نفسها بوضع اليد على القنبلة النووية، انطلاقاً من حجج وذرائع مشروعات إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية، فتحول بعضها إلى خطر نووي يحدق بالأمن الدولي كله.
يؤيد المؤلف الحرب التي شنتها إدارة بوش على الإرهاب، إلا أنه يصنف الحرب على العراق، ضمن أهم أسباب الفشل في الحرب على الإرهاب إجمالا، لكونها - على حد قوله، صرفت الأنظار والاهتمام عن مكامن الخطر الفعلي المتمثل في تنظيم القاعدة وإيران وباكستان وكوريا الشمالية-. ومن رأي المؤلف أن هذه الدول ستمثل المصدر السهل، الذي يمكن لتنظيم القاعدة وأي منظمة إرهابية أخرى، تحقيق مآربها ومساعيها للحصول على المواد والأسلحة النووية منه. وإذا كان جراهام أليسون قد دق ناقوس الخطر، وانتقد الإدارة الحالية- بل النظام الدولي كله على تقصيره في ت