دلائل الصراع الداخلي بين شارون وقطاعات من اليمين المتطرف تضم كوادر من داخل حزب ليكود، أصبحت معلومة للقارئ العربي من صفحات الأخبار. أصبح معلوماً أن فريقاً من تلاميذ شارون الذي تمتع يوماً ما بلقب "ملك إسرائيل" وبلقب "الأب الروحي للاستيطان" في دوائر اليمين والمستوطنين عامة، قد خرج على الرجل وبات ينظر إلى خطة الانفصال من جانب واحد عن قطاع غزة على أنها خيانة للمبادئ الصهيونية وتفريط في أسطورة أرض إسرائيل الكبرى وتراجع ذليل عن شعار "ولا شبر واحد" الذي ورثه حزب ليكود عن مؤسسه الراحل مناحيم بيجين.
ما نريد لفت الأنظار إليه هنا هو وجود خلاف عربي حول خطة شارون أيضاً. هناك بين المثقفين والسياسيين العرب من يرى أن قبول الخطة أو دعمها من جانب النواب العرب في الكنيست أو مساندتها مصرياً إنما يمثل إهداراً لتضحيات الشعب في الانتفاضة وتكريساً لأهداف شارون المنصوص عليها في مشروع الخطة. وهناك فريق آخر من المثقفين والساسة العرب يرى ضرورة قبول الخطة أولاً للتخفيف من معاناة قطاع من الشعب من وحشية الاحتلال، وثانياً إعلاء لمبدأ القبول باسترداد أي شبر من الأرض الفلسطينية، وثالثاً إعمالاً لمبدأ خذ وطالب المعمول به في السياسة الدولية. والمقصود هنا القبول باسترداد قطاع غزة ثم تطوير وسائل النضال الدولي والعربي والميداني لتطبيق نفس المشروع على أرض الضفة الغربية.
الخلاف بين الفريقين العربيين يعكس وجهتي نظر لكل منهما أسانيدها. وجهة النظر العربية الأولى تركز على موازين القوى في اللحظة الراهنة، ومن هنا تركز على قراءة العناصر التالية: أولاً: الانحياز الأميركي لإسرائيل وأطماعها والذي عبر عن نفسه في رسالة التعهدات التي قدمها الرئيس بوش لشارون في 14 أبريل 2004 والتي تعني إلغاء حق العودة للاجئين وتثبيت الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة وعدم الانسحاب إلى حدود 1967.
ثانياً: ميزان القوة المختل بين المقاومة الفلسطينية من ناحية وبين قوى الاحتلال العسكري .ثالثاً: ترتيباً على العنصرين السابقين ينفرد شارون برسم صورة التسوية النهائية للصراع من خلال مشروعه في صورة مقايضة يحصل بموجبها على معظم أراضي الضفة مقابل الانفصال من جانب واحد عن غزة. وهو انفراد تدل عليه حركة شارون الاستراتيجية من ناحية ونص المشروع الذي قدم إلى الكنيست يوم الاثنين الماضي من ناحية ثانية، حيث ينص على فقرة تقول إنه في أي تسوية دائمة مستقبلية لن يكون هناك استيطان إسرائيلي في قطاع غزة. في المقابل، فإنه من الواضح أنه ستبقى في الضفة الغربية مناطق ستشكل جزءاً من إسرائيل وستضم بداخلها التكتلات الرئيسية للمستوطنات اليهودية والمناطق الأمنية والأماكن التي تملك إسرائيل مصالح أخرى فيها.
رابعاً: حديث مدير مكتب شارون ومستشاره الرئيسي بعد عودته من واشنطن في الأسبوع الأول من أكتوبر والذي اضطر شارون إلى نفيه ذراً للرماد في العيون العربية والأوروبية بعد تصاعد أصوات الاحتجاج. فقد صرح دوف فايجسلاف لصحيفة "هآرتس" أن خطة الانفصال عن غزة تهدف إلى تجميد عملية التسوية السياسية ومنع إقامة الدولة الفلسطينية. قال فايجسلاف بالنص "عندما نجمد عملية ومسار التسوية السياسية فإننا نمنع إقامة دولة فلسطينية ونمنع الحديث والبحث في قضايا الحدود والقدس واللاجئين".
وإذا كان أصحاب وجهة النظر العربية الرافضة لمشروع الانفصال عن غزة يقرؤون العناصر السابقة باعتبارها مؤشراً على طبيعة المشروع السلبية فإن أصحاب وجهة النظر العربية الداعية لقبول المشروع يقرؤون هذه العناصر نفسها باعتبارها حافزاً لقبوله على أمل تطوير البيئة الدولية في المستقبل لجعلها جزءاً من خريطة الطريق. ويشير هؤلاء إلى الصراع اليميني الإسرائيلي الشرس ضد المشروع باعتباره علامة إدراك اليمين الإسرائيلي لآفاق المستقبل والتي سترتكز على مشروع الانفصال عن غزة لاستكمال التسوية في الضفة. وتبقى وجهتا النظر العربيتان متعادلتين في انتظار ما يكشف عنه المستقبل.