في كل مرة أقول فيها إن الرئيس بوش ليس كاذباً تنهال علي الصواعق الكلامية من قبل الديمقراطيين. وفي كل مرة أقول فيها إن الرئيس بوش ليس صادقاً يثور الجمهوريون في وجهي كالبركان. ولكن ما الذي أعنيه بقولي إن الرئيس ليس كاذباً وأنه أيضاً ليس صادقا؟
لشرح ذلك دعوني أقدم لكم مثالا. وهو ليس من حرب العراق هذه المرة، وإنما من السيرة الذاتية للرئيس بوش. في تلك السيرة يحكي لنا بوش أقصوصة ممتعة يتحدث فيها عن ابنتيه عام 1988 وتحديداً عشية المناظرة الرئاسية بين والده وبين "مايكل دوكاكيس" المرشح الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة ذاك العام. يقول بوش: في تلك الليلة كنت أنا ولورا خارج المدينة في مخيم، في حين أمضت (باربرا) و(جينا) الليل في المسكن الفخم المخصص لوالدي الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في ذلك الوقت. وكان والدي مشغولا في تلك الليلة بالتحضير للمناظرة التي سيخوضها في اليوم التالي، ولكن لسوء الحظ فقدت باربرا رفيقها الدائم في الفراش وهو دمية على شكل جرو اسمه (سبايكي). وشكت باربرا بصوت عالٍ أنها لا تستطيع أن تنام قبل العثور على سبايكي. ولذلك لم يجد (جامبي)، وهو اسم التدليل لوالدي، من سبيل أمامه سوى أن يمضي جزءا كبيرا من تلك الليلة وهو يبحث عن الجرو سبايكي في كل مكان. وفي النهاية تمكن جامبي من العثور على سبايكي، واستطاعت باربرا أن تذهب إلى فراشها وتنام ملء جفنيها.
إنها أقصوصة تثلج الصدر عن القيم الأسرية. وعلى الرغم من أنها ليست خبيثة بالدرجة التي تجعلني اعتبرها كاذبة، إلا أنني مع ذلك لا أتردد في اعتبارها مخلوطة بالزيف على الأقل. وأنا أعرف ذلك لأن السيدة والدة الرئيس بوش كانت قد كتبت عن نفس تلك القصة في التسعينيات في كتابها المعنون "ميللي بوك" المكتوب على لسان كلبها. وأول دليل على كذب الرئيس، هو أن أحداث تلك الواقعة قد حدثت عندما كان عمر باربرا خمس سنوات ونصف وتحديداً عام 1987، أي قبل المناظرة الرئاسية المذكورة بعام كامل. ما هو أكثر من ذلك أن الكتاب المذكور يقول إن "سبايكي" كان دمية على شكل قطة وليس على شكل جرو، وأن نائب الرئيس جورج بوش الأب لم يمض الليلة بأكملها باحثاً عنها، بل إنه يئس من البحث بعد فترة قصيرة ثم قال متذمراً: لدي عمل يجب أن أقوم به، وليس لدي وقت أضيعه في البحث عن لعبة على شكل حيوان محشو بالقش في الظلام. وجاء في الكتاب أيضاً أن سلطان النوم قد تغلب على "باربرا" فنامت وفي حضنها لعبة أخرى، أما "سبايكي" فقد تم العثور عليه في اليوم التالي وراء ستارة.
أستطيع أن أسمع البعض منكم يقول معترضا:"ما هذا الذي تقوله يا صاح... هل تصدق كلام كلب، ولا تصدق الكلام الصادر عن رئيسنا"؟. حسناً، ردي على ذلك هو أن أحداً لم يقم حتى الآن بتكذيب رواية الكلب "ميلي" علاوة على أن ذلك الكلب لديه شهود. فالرئيس جورج بوش الأب وزوجته "باربرا" أكدا لي عبر متحدث رسمي، أنهما لا يصدقان أن "سبايكي" قد ضاع في الليلة السابقة على المناظرة الانتخابية بين نائب الرئيس وبين المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة في ذلك الوقت.
ورواية الرئيس الحالي المبالغ فيها لتلك الواقعة الصغيرة تعكس علاقته السطحية بالحقيقة. فالواقع بالنسبة لبوش- شأنه في ذلك شأن الرئيس الراحل "رونالد ريجان"- لا يتعلق بالحقائق ولكنه يتعلق بالأفكار التي تنطبع في ذهن الشخص وتسيطر عليه مثل: إن أبي وأمي هما جدان حنونان... أو إن صدام حسين رجل شرير... وما إلى ذلك. لذلك فإن بوش يقوم بحذف أية فكرة لا تتماشى مع تلك التصورات، ولا مانع لديه من تبني فكرة أو قصة لتأكيد تلك التصورات بصرف النظر عن صدقها أو عدم صدقها.
وفي الحقيقة أننا جميعاً نلجأ إلى شيء مثل ذلك فنقوم بتجاهل جميع الحقائق التي نراها أمامنا ونغض الطرف عنها إذا ما كانت لا تتفق مع مدركاتنا وتصوراتنا الراسخة. فقد كتب "جون تايرني" زميلي في صحيفة "نيويورك تايمز" منذ عدة أيام عن تقرير يشير- اعتماداً على الدرجات التي أحرزاها في اختبارات عسكرية أجرياها في ستينيات القرن الماضي- أن معدل ذكاء الرئيس بوش كان في شريحة الـ95 في المئة وأن كيري كان في شريحة الـ91. ومع ذلك فإن معظم الليبراليين لم يقوموا بمراجعة رأيهم في أن السيد بوش رجل أبله.
وفي الحقيقة أنني شخصيا اعتقد أن الرئيس بوش أكثر ذكاء بل ورجلاً أفضل بكثير مما يظن معظم نقاده. الأكثر أهمية من كل ذلك هو أنه ليس رجلا متذبذباً أو رجلا يحاول اللعب على جميع الحبال. ففي الوقت الذي يلف فيه السيد كيري ويدور حول موضوعات مثل الشرق الأوسط والتجارة، فإن السيد بوش لديه نواة من القيم الثابتة التي لا تتذبذب كما أنه يقدم قيادة حقيقية "وإن كنت أعتقد أن تلك القيادة عادة ما تكون في الاتجاه المغلوط، وذلك عندما يحاول إعادة صياغة أميركا والعالم وفقا لأجندة اليمين المتطرف".
فالرئيس بوش يتميز بصلابة الشخصية وصلابة المعتقدات (وهي نفس مشكلة الإدارة) لأنها تعني عدم المرونة والإصرار على الشيء حتى لو كان خطأ. ولو كان بوش مواطنا