تحت عنوان "لندن وباريس: خصومة أم تحالف؟" نشرت "وجهات نظر" يوم الاثنين 25-10-2004 مقالاً للكاتب البريطاني باتريك سيل تطرق خلاله للعلاقات الفرنسية البريطانية وتطورها خلال القرن العشرين، متوصلاً إلى استنتاج مفاده أن البلدين كليهما فشلا في تحقيق أهدافهما، ففرنسا لم تتمكن حتى الآن من بلورة سياسة أوروبية فاعلة يمكن من خلالها منافسة الولايات المتحدة، وبريطانيا لم تستطع أيضاً أن تجعل لتطلعاتها صدى في الولايات المتحدة. وضمن تعقيبي على هذا المقال أرى أن فرنسا وبريطانيا البلدين اللذين يسعيان للعب دور على الصعيد العالمي، استناداً إلى تاريخهما كقوتين عظميين متنافستين في القرن الماضي، يتجهان إلى بلورة رؤيتين مختلفتين للحفاظ على مكانتهما الدولية. باريس تأمل في أن تصبح أوروبا الموحدة قطباً عالمياً منافساً لواشنطن، وبريطانيا تنتهج سياسات خارجية تتطابق إلى حد كبير مع الولايات المتحدة استناداً إلى لغة المصالح المشتركة، لا سيما وأن لندن ترى أن الثقافة الانجلوساكسونية قاسم مشترك وإطار عام للعلاقات الأميركية- البريطانية. الحرب على العراق يمكن استخدامها كنموذج لفرز المواقف المتطابقة بين واشنطن ولندن والعكس تماماً بين فرنسا والولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار أن فرنسا تقود دفة الاتحاد الأوروبي وتسعى إلى تفعيل السياسات التكاملية الأوروبية، بينما نجد بريطانيا أداة لكبح التكامل الأوروبي فحتى الآن لم تنضم بريطانيا إلى العملة الأوروبية الموحدة، وهو مؤشر واضح على أن لندن تسعى إلى الحفاظ على هويتها الوطنية والإبقاء على مسافة تفصلها عن أوروبا الموحدة. لكن ثمة تساؤلاً هل تؤثر الخلافات الفرنسية البريطانية على النظام العالمي الراهن؟ بالطبع نعم لأن بريطانيا تسير دوماً على الخطى الأميركية ما يكرس الأحادية الأميركية أو بالأحرى يعزز الملمح الأحادي في هذا النظام. كما تقوم لندن عادة بدور رجل العلاقات العامة الذي يخدم المصالح الأميركية، وأكبر دليل على ذلك تقرير أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي أعدته الاستخبارات البريطانية، ثم ثبت في وقت لاحق أنه محض افتراءات وادعاءات لا وجود لها. أما الموقف الفرنسي من القضايا العالمية، فهو عادة ما يكون نتاج قناعات مترسخة واتجاهات أصيلة في سياسة باريس الخارجية استناداً إلى الثقافة الفرانكفونية كإطار ومظلة من خلالهما يمكن تفعيل دور فرنسي متكامل خاصة في بلدان الجنوب.
وفي تقديري لا يمكن تحييد المصالح عند التطرق إلى السياسات الفرنسية والبريطانية، بمعنى أن المصالح الاستعمارية في القرن العشرين وما تخلله من حربين عالميتين جعلت لندن وباريس قوتين متحالفتين مرة ضد الدولة العثمانية وأخرى ضد النازية والفاشية. الآن تحاول لندن وباريس الحفاظ على نفوذهما، كلا حسب طريقته الخاصة، ففرنسا تغلب الجانب الثقافي على سياستها بينما تتجه بريطانيا إلى ربط نفسها مع الحليف الأميركي مهما كانت العواقب.
عادل عثمان - الخرطوم