هل تُعنى الدولة بالبشر؟.
هو سؤال يستكشف لمَ تراجع الاهتمام بالإنسان وثقافته، ولم كانت هذه الردة نحو العودة إلى البناء، وتشجيع الطفرة الاقتصادية الظاهرية، وتحفيز النمط الاستهلاكي لدى الإنسان بشكل عام؟
تقرير التنمية البشرية للعام الحالي كان مروعاً وقاسياً إلى درجة أن البعض من أساتذة الجامعة آثر الهرب من مواجهة الحقائق، وعلل الأرقام المتراجعة في التنمية البشرية بأنها غير دقيقة وغير صحيحة أبداً! ربما كان التبرير بعدم الدقة وارداً، لأن الدولة تفتقد مركزاً إحصائياً يهتم بالأرقام ودقتها وجدتها، لكنه رغم هذا ليس سبباً وحيداً.
فأين هي الثقافة؟ كانت معارض الكتب دليلاً أساسياً في العناية بالفكر، تقلصت هذه المعارض إلى معرضين سنويين أحدهما في أبوظبي وآخر في الشارقة. ويشكو العارضون أن الإقبال على الكتاب لم يعد كما كان، حتى الزوار لم يعودوا كما اعتادوهم تدفعهم رغبة المعرفة للتواصل واقتناء الجديد.
وأين هي الأنشطة الثقافية؟ التي كانت تقام على مدار العام؟ وجودها انحسر وانحصر في محاضرات معلبة، تجري هنا وهناك وبعيدة كل البعد عن الفكر العميق المركز.
وماذا عن التعليم؟ الذي مات منذ زمن ولم يعد لدى وزارة مفلسة أي فلسفة مستقبلية للبقاء ومقاومة مظاهر الوفاة المحيطة بها من كل صوب.
ماذا عن مخرجات التعليم العالي؟ متواجدون؟ كموظفين أقل من عاديين، يتحدثون الإنجليزية، ويجهلون فنونها كلغة ثقافية جميلة، يمارسون التكنولوجيا كمهنة تستدر ربحاً لا أكثر، لأنهم غير مؤهلين لأن يكونوا صناعها.
والحكومة تتجه نحو اقتصاد أقوى والنتيجة حرب إعلانية شرهة، ضحاياها مستهلكون يلهثون خلف كل جديد الأسواق، وتصب كل همومهم في مجاراة الموضة وتبعاتها.
والنخبة ماذا عنهم، والذين يعول عليهم إكمال البناء والتشييد لروح الإنسان وهمته، همشوا بعضهم، والباقون مع الموجة في جزرها واندحارها نحو الانكفاء على المادة لضمان مستقبل خال من المشاكل وذهبت ثقافتهم ووعيهم سدى وكل شيء لديهم صار قبض ريح.
ولتداعيات سبتمبر أسبابها ونتائجها، فحتى المثقف صار يخشى مجاهرته بثقافة موازية للسائد ومضادة للغث الأميركي وحتى لا يزج به في غياهب التقريع والتخويف، آثر الصمت لتستمر المعركة الخاسرة وليكسب الرهان الوقت الذي يتميع بإفشال خطط إنسان الوطن ليكون أفضل حالاً وأسعد حظاً.
وهذا الكم من الغرباء ماذا فعلوا بنا؟ غربة.. قلق.. اتكالية.. تهميش.. حروب داخلية صامتة وصارخة في كوارثها الحتمية القادمة.
الأرقام مخيفة بالطبع، لكن الاختباء منها وادعاء التفاؤل ليس حلاً، ولا حتى يساهم في إيجاد الحل. فالحقيقة أحياناً لا تحتاج إلى أرقام، تحتاج إلى مواجهة ووضوح.
لأن ما يحدث صار يدفع بالجميع إلى اعتبار أن هذه الطفرة الاقتصادية مكللة دائماً بالنجاح حتى وإن قالت الأرقام والشواهد عكس ذلك، والخوف أن يأتي يوم لا نجد تنمية أساساً، لأنه لم يعد هناك إنسان يثير اهتمام أحد، لأنه الوطن المتعولم قبل أن تكون هناك عولمة من الأساس.