تقول الحكاية: كان عبدالملك بن مروان شديد الشغف بالنساء، فلما أسنّ ضعف عن الجماع وازداد غرامه بهن، فدخل إليه يوماً أيمن بن خريم (من شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي) فقال له: كيف أنت؟ فقال: بخير يا أمير المؤمنين. فقال: كيف قوتك؟ قال: كما أحب، ولله الحمد، إني لآكل الجَذَعة من الضأن بالصاع من البر، وأشرب العسل المملوء، وأرتحل البعير الصعب وأنصبُه، وأركب المهر الأرن فأذلّله، وافترع العذراء، لا يقعدني عنها الكبر، ولا يمنعني منها الحصر، ولايرويني منها الغمر ولا ينقضي مني الوطر. فغاظ قوله عبدالملك بن مروان وحسده، فمنعه العطاء وحجبه، وقصده بما كره حتى أثر ذلك في حاله، فقالت له امرأته: ويحك أصدقني عن حالك؟ هل لك جرم؟ قال: لا، قالت: فأي شيء دار بينك وبين أمير المؤمنين آخر ما لقيته؟ فأخبرها، فقالت: إنا لله! من ها هنا أتيت. أنا أحتال لك في ذلك حتى أزيل ما جرى عليك، فقد حسدك الرجل على ما وصفت، فدخلت على عاتكة، زوج عبدالملك، فقالت: أسألك لأن تستعدي لي أمير المؤمنين على زوجي، قالت: وما له: قالت: والله ما أدري أنا مع رجل أو حائط! وإن له لسنين ما يعرف فراشي، فسليه أن يفرق بيني وبينه، فخرجت عاتكة إلى عبدالملك فذكرت له ذلك. وسألته في أمرها، فوجه إلى أيمن بن خريم فحضر، فسأله عما شكت منه فاعترف به، فقال: أو لم أسألك عاماً أول عن حالك فوصفت كيت وكيت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل يتجمل عند سلطانه ويتجلد عند أعدائه بأكثر مما وصفت نفسي به، قال: فجعل عبدالملك يضحك من قوله، وأمر له بما فات من عطائه، وعاد إلى بره وتقريبه.
طبعاً لا يعلم سوى الله وحده مدى صحة هذه الرواية الإخبارية، فما آفة الأخبار إلا رواتها، لكن أعتقد لو أن عبدالملك قد توفرت له الفياجرا وساليس وسنافي السعودية لما فعل ما فعل بالرجل من حرمانه من عطائه. كما تدل على مزاجية الحكام المسلمين في ذلك الوقت، ونحمد الله أن لنا رواتب نستلمها من الدولة رأس كل شهر، إضافة إلى دلالة العطالة التي كان يعيشها المسلمون اعتماداً على عطاء أمير المؤمنين، وهو أمر لا يزال موجوداً إلى اليوم.
إذا تركنا الهزل جانباً ونظرنا إلى الأمر كله نظرة موضوعية لوجدنا أن تراثنا العربي والإسلامي بشكل عام، تراث رواية شفاهية غير مدعمة بالوثائق وهو ما يجعل المنهج التاريخي بأكمله غير مقبول من الناحية الأكاديمية، لأننا لا نستطيع تمييز الصدق من الكذب فيه، فضلاً عن سهولة التدخل فيه بالسلب والإيجاب بما يعرّض تاريخ العرب كله لعدم المصداقية. وهي مشكلة لا يزال الباحثون العرب مترددين إزاءها خشية من الجماعات الدينية أو القوانين الوضعية، وخاصة أن نظامنا السياسي ومجتمعنا العربي يكاد يضع مثل هذه الدراسات موضع التجريم، لأن الأمر إذا بدأ لن يتوقف عند حدود التاريخ، بل سيمتد إلى الدين وتراثه، خاصة فيما يتصل بالإسرائيليات التي تملأ كتب التفسير. فضلاً عن أن استخدام المنهج الخاص بتفكيك النص سينسف علمياً الكثير من المسلمات التاريخية التي يرفض العرب المسلمون حتى مجرد لمسها والتعرّض لها.
ولو أردنا تفكيك هذه الحكاية التراثية لتوصلنا إلى عدة استنتاجات منها عدم وجود ميزانية لدولة الخلافة، ومزاجية التصرف بأموال بيت المال، وانعدام العدل في العطاء، لأن من يحرم (أ) يستطيع أن يزيد في نصيب (ب) بدون وجه حق، وكذلك حالة الكسل والبلادة بين من ينتظر العطاء... وسلامتكم.