بعد عامين من تطبيق الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي، تحقق خلالهما تقدم كبير في تنمية التبادل التجاري فيما بين هذه البلدان، كما تشير البيانات المتوفرة والصادرة من الأمانة العامة، حيث ازداد التبادل التجاري بأكثر من 20% خلال عام واحد، حيث يواجه الاتحاد الجمركي الخليجي في الوقت الحاضر تحديات جدية بسبب تفاوت مواقف دول مجلس التعاون من إقامة مناطق للتجارة الحرة بينها وبين بعض بلدان العالم بصورة منفردة، كالاتفاقية التي وقعت بين مملكة البحرين والولايات المتحدة في منتصف شهر أكتوبر الجاري.
في نفس الوقت طالب الاتحاد الأوروبي دول المجلس بضرورة الإسراع في استكمال إجراءات توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين المجموعتين الخليجية والأوروبية، وبالأخص أنه أبدى امتعاضه بعد توقيع الاتفاقية البحرينية الأميركية والتي تعني دخول معظم السلع الأميركية إلى السوق البحرينية معفية من الرسوم الجمركية، في الوقت الذي قطعت ثلاث دول أخرى من دول المجلس شوطاً بعيداً لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة.
لا شك أن هذه الاتفاقيات تمثل أهمية بالغة، ليس لتنمية قطاع التجارة الخارجية وتنمية صادرات دول المجلس تحديدا فحسب، ونما لمجمل التنمية الاقتصادية في هذه الدولة الخليجية أو تلك، فالسوق الأميركية سوق كبيرة ودخول السلع الخليجية إليها معفية من الرسوم الجمركية يمنحها قدرات تنافسية تتيح تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية في دول المجلس.
في المقابل تنجم عن هذا التطبيق المنفرد إشكاليات تتعلق بدخول السلع الأجنبية لبعض أسواق دول المجلس معفية من الرسوم، في الوقت الذي لا تتمتع فيه هذه السلع بهذه الميزة في الأسواق الخليجية الأخرى، والتي قد تصل إليها معفية من الرسوم بسبب وجود الاتحاد الجمركي والذي تم بموجبه تطبيق نقطة العبور الواحدة وإلغاء الرسوم الجمركية على السلع الوطنية والأجنبية بين دول المجلس.
بالتأكيد هناك بعض الإشكالات الناجمة عن الاتفاقيات المنفردة للتجارة الحرة، إلا أنه يمكن العمل لتقليل الانعكاسات السلبية لهذه الاتفاقيات إلى حدها الأدنى، من خلال اتخاذ بعض الإجراءات للمحافظة على المكاسب الكبيرة التي حققتها دول المجلس منذ تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة اعتبارا من شهر يناير من العام الماضي 2003.
في هذا الصدد هناك خطوات إجرائية تكمن في إمكانية "جمركة" أي فرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية القادمة من دولة خليجية تتمتع فيها هذه السلع بإعفاءات عند انتقالها إلى إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون، حيث يمكن تطبيق ذلك بسهولة دون المساس بأسس الاتحاد الجمركي الخليجي.
بجانب ذلك، هناك خطوات استراتيجية تتمثل في ضرورة قيام دول المجلس بإجراء مباحثات بصورة جماعية مع البلدان والتكتلات الاقتصادية الأخرى في العالم لإقامة مناطق للتجارة الحرة، مثلما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، وخصوصا أن دول المجلس تملك تجارب ناجحة في هذا المجال، فمفاوضات البلدان الخليجية مع الاتحاد الأوروبي لإقامة منطقة للتجارة الحرة على مدى السنوات الماضية حققت لها مكاسب مهمة ما كان لها أن تتحقق في ظل المفاوضات المنفردة.
في هذا السياق أنجزت دول المجلس أو هي على وشك إنجاز توقيع اتفاقيات جماعية للتجارة الحرة مع لبنان والأردن والصين، كما أن هناك مفاوضات جارية بشكل جماعي مع سوريا والهند وباكستان.
لقد تطرق وزراء المالية لدول المجلس في اجتماعهم الأخير والذي عقد بالرياض في بداية الأسبوع الجاري لهذه الإشكالات والتحديات المستجدة، إلا أن تفاوت المواقف ربما يزيد التعقيدات الخاصة بإنجاز الاتحاد الجمركي الخليجي بصورة كاملة وإقامة السوق الخليجية المشتركة بعد عام من الآن كما هو مخطط له.
إن الأجندة الاقتصادية الخليجية مليئة بخطوات التكامل الاقتصادي المتوقع اتخاذها في السنوات القليلة القادمة، وبالأخص إصدار العملة الخليجية الموحدة، وتوحيد السياسات الاقتصادية والتي تتطلب العمل بصورة جماعية على الصعيدين الإقليمي والعالمي لتحقيق أقصى عوائد إيجابية من عملية الاندماج الاقتصادي الخليجي.