جنباً إلى جنب مع المظاهر المتزايدة للعنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط عُقدت في السابع عشر من الشهر الجاري قمة خماسية في طرابلس لإيجاد تسوية عادلة لمشكلة دارفور، ويتزايد الحديث عن مؤتمر شرم الشيخ المزمع عقده في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر المقبل لبحث المسألة العراقية. ومع أنه قد لا تجوز المقارنة بين مؤتمرين انعقد أحدهما بالفعل وما زالت الترتيبات تُعد لانعقاد الثاني إلا أن ما تسرب من معلومات عن المؤتمر الثاني يسمح لنا بإجراء مقارنة أولية قد تفيد كثيراً في تقييم ما توصلت إليه قمة طرابلس من نتائج واستشراف حظوظ مؤتمر شرم الشيخ من النجاح، ومحاولة توجيهه فيما تبقى من وقت حتى يحين انعقاده لتفادي جوانب الخلل في منهجه وتوجهاته.
يتفق المؤتمران بداية في طابعهما الحكومي، فعلى الرغم مما أشيع قبل انعقاد قمة طرابلس عن أن ممثلين لحركة المعارضة في دارفور سيحضرونها إلا أن القمة اقتصرت على أطراف حكومية فحسب، أما مؤتمر شرم الشيخ فكان الداعون إليه واضحين من البداية بصدد طابعه الحكومي، ومع ذلك فثمة فارق جوهري لمصلحة قمة طرابلس إذا قورنت بمؤتمر شرم الشيخ القادم إذ أنها وإن لم تُمَثَلْ فيها حركات المعارضة السودانية في دارفور إلا أنها قد وضعتها في اعتبارها، فقد كان هدفها المعلن منذ البداية هو إقناع طرفي الأزمة في دارفور بالتوصل إلى تسوية تؤدي إلى إنهاء الوضع الراهن، أي أن ثمة اعترافاً من المؤتمرين بأن هناك طرفين للأزمة، وقد تأكد هذا الاعتراف في البيان الختامي للقمة الذي فوض العقيد معمر القذافي الاتصال بجميع الأطراف ذات الصلة بالأزمة للوصول إلى حل دائم لها، وقد أوضح وزير الخارجية الليبي لاحقاً أن العقيد سوف يتصل مع الفعاليات الاجتماعية في إقليم دارفور وبينهم شيوخ القبائل وزعماء حركتي التمرد للوصول إلى حل.
يُحسب هذا الموقف لقمة طرابلس التي لم تدفن رأسها في الرمال وتكتفي بمشاركة الحكومة السودانية وإزجاء عبارات التأييد والتشجيع لها، مع أن هذه الحكومة –أياً كان الرأي في طبيعتها وفي حسن أدائها وإدارتها للأزمة- حكومة شرعية كان من الممكن أن تصر أو يصر حلفاؤها وأصدقاؤها على أن جهود التسوية يجب أن تمر من خلالها وحدها. غير أنه في الطريق من طرابلس إلى شرم الشيخ تتبدل المعايير فيكون الإصرار على عدم الاعتراف بأية أطراف أخرى عراقية غير الحكومة المؤقتة التي يمكن بمنتهى السهولة وصفها بأنها حكومة غير شرعية كونها أولاً قد نشأت في ظل احتلال غير شرعي وكونها ثانياً غير مؤسسة على اختيار حر من الشعب العراقي.
ولا شك أنه يتعين على مؤتمر شرم الشيخ كي يطمح في نصيب من النجاح أن يجد حلاً لهذه المعضلة. في البداية اقترحت فرنسا –وليست أي دولة عربية للعجب- تمثيل فصائل المقاومة في المؤتمر فرُفض الاقتراح باعتبار أن المؤتمر حكومي، وبعد ذلك أفادت التقارير بوجود جهود مصرية للاتصال بقوى عراقية غير رسمية وأعقب ذلك الحديث عن مؤتمر موازٍ يُعقد لفعاليات "المجتمع المدني" العراقي، وهو حل ناقص وإن كانت ميزته الواضحة أنه يمكن أن يسمح بحضور من يحمل فكر المقاومة وأهدافها وبرنامجها السياسي، غير أن نصيب الفكرة من النجاح لم يتضح حتى الآن ناهيك عن طبيعة الجسر الذي يمكن أن يصل بين مقررات المؤتمر الحكومي ومثيلتها على صعيد المؤتمر غير الرسمي، أو بعبارة أدق تأثير الأخير على النهج الذي سيقرر المؤتمر الحكومي اتباعه.
وقد بدت الدبلوماسية المصرية واعية لهذه المعضلة – أي معضلة تمثيل كافة الأطراف في المؤتمر بما يضفي عليه الصدقية الواجبة- فضمنت العناصر الأساسية المقترحة للبيان الختامي للمؤتمر عنصراً ينص على اعتبار المؤتمر خطوة تسهم في إشراك جميع القوى السياسية في العراق في العملية السياسية وهو تعبير يفتح الطريق لإيجاد حل للمعضلة لكنه لا يضمن الوصول إليه لاعتبارات عديدة منها ميزان القوى المتوقع في المؤتمر بسبب حضور أطراف دولية عديدة منها الولايات المتحدة –الدولة القائمة بالاحتلال- والتي لا شك أنها سوف تبذل بالتحالف مع الحكومة العراقية أقصى ما في وسعها لمنع تأثير أي أفكار معارضة جذرياً على فعاليات المؤتمر.
من ناحية ثانية تقدم نتائج قمة طرابلس من ناحية وما بدأ يتسرب عن التوجهات العامة لمؤتمر شرم الشيخ من ناحية أخرى بعداً مفيداً للمقارنة. في القمة الأولى رفض بيانها الختامي أي تدخل أجنبي في قضية دارفور باعتبارها مسألة أفريقية صرفة، وأكد على سيادة السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، وشدد على أهمية عدم التدخل في شؤونه الداخلية بشكل يعرقل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والأمن في كافة ربوع السودان. أما مؤتمر شرم الشيخ فقد تصدر العناصر الأساسية المقترحة للبيان الختامي بند يتحدث عن "ضرورة الإشارة إلى سيادة العراق ووحدته والالتزام بمبدأ عدم التدخل في شؤونه الداخلية".
ويستحق هذا البند وقفة تأمل فهو لا يتضمن الإشارة إلى استقلال العراق وهو خطأ ينبغي تداركه، وقد يُقال إن هذا تحصيل حاصل يترتب على الإشار