الشيء الباعث على الدهشة، أنه على الرغم من المعارك الكلامية الصاخبة التي تدور رحاها الآن في الانتخابات الأميركية، إلا أن الحلول التي يقدمها المرشحان للرئاسة تعتبر متماثلة من حيث الجوهر. فالبرامج التي يطرحانها في هذا السياق، تركز على قيام العراق بمساعدة نفسه بنفسه, والدعوة إلى تقديم المزيد من المساعدات الخارجية للمساعدة في الجهود الرامية لإحلال الاستقرار والأمن في البلاد.
بيد أن هذه الحلول ليس متوقعاً لها أن تنجح. السبب يرجع إلى أن المرشحين الاثنين، قد أصبحا سجينين لرؤية عالمية تقدم تشخيصاً مغلوطاً في جوهره للتحدي المركزي الذي يواجهنا الآن. فما يعرف بـ"حرب بوش العالمية على الإرهاب" ليس إلا مجرد شعار تم استغلاله لأغراض سياسية، ولكنه في الواقع مفرغ من أي مضمون حقيقي، كما يشوه الأشياء بدلا من أن يقوم بتحديدها بشكل دقيق.
فهذا الشعار يخفي معالم الحقيقة الأساسية، وهي أن الحرب الأهلية التي تدور رحاها في أرض الإسلام هي حرب تضع المتعصبين الدينيين في مواجهة المعتدلين الذين يتعرضون لعمليات "إرهاب" وترويع تزداد حدة. وأفعال الإدارة الأميركية ولغة خطابها التي تفتقر إلى التمييز تزيد من احتمال قيام المعتدلين في نهاية المطاف بالاتحاد مع الجهاديين في غضبة عارمة، كما تزيد أيضاً من احتمال توحد عالم الإسلام وانخراطه في صدام مباشر مع أميركا.
لفهم معنى ذلك، دعونا ننظر إلى ما يحدث الآن في العراق. بالنسبة لأعداد متزايدة من العراقيين فإن الجهد الأميركي لتحريرهم من حكم صدام حسين تحول في نظرهم إلى احتلال أجنبي بغيض. كما اختلطت القومية العراقية مع التعصب الديني لينتجا معاً مزيجاً قوياً من الكراهية، وازدادت حالات الهروب من صفوف قوات الحرس الوطني الجديد ووصلت إلى معدلات خطيرة، كما أن التصعيد الأميركي المتوقع للعمليات العسكرية الموجهة ضد المدن المتمردة سيؤدي إلى تفاقم الخسائر المدنية، وبالتالي إلى انضمام مجندين جدد لقوات التمرد.
الموقف في رأيي لن يتحسن على الإطلاق. فإذا ما أعيد انتخاب بوش لولاية ثانية، فإن حلفاءنا لن يقوموا بتقديم المزيد من الأموال أو القوات اللازمة لمساعدة أميركا لأن السيد بوش فقد المصداقية لدى الأمم الأخرى، التي أصبحت لا تثق في نهجه وتوجهه العام.علاوة على ذلك، نجد أن البريطانيين يقومون الآن بتخفيض عدد قواتهم الموجودة في العراق، وأن البولنديين سيفعلون نفس الشيء، كما أن الباكستانيين قد أوضحوا بجلاء أنهم لن يقومون بتأييد سياسة أميركية في الشرق الأوسط، يرون أنها ستهزم نفسها بنفسها.
والحق أن سياسة بوش من منظور العقل السياسي في العالم الإسلامي وأوروبا، أصبحت تتماهى مع سياسة آرييل شارون في غزة والضفة الغربية. فهذه السياسة- وبفعل مشاعر الاستياء من أميركا- أصبح يتم تصويرها على نطاق واسع الآن على أنها سياسة تقوم على الاستخدام الفج للقوة، وتتبنى مواقف شبه استعمارية، وتحركها تحيزاتها الكامنة ضد العالم الإسلامي. والنتيجة المتوقعة لكل ذلك هي أن يتحول هدف مواصلة المهمة في العراق تحت حكم بوش إلى مجرد مغامرة أميركية معزولة إلى حد كبير.
وهذه العزلة العالمية قد تغري حكومة بوش إذا ما أعيد انتخابه إلى تبني تكوين حلف مقدس مناوئ للإسلام على غرار الحلف الذي ظهر إلى الوجود بعد عام 1815 للحيلولة دون الانتفاضات الثورية في أوروبا، وهي رؤية تتم الآن تغذيتها من قبل أصحاب المصلحة في توريط أميركا في صراع متصل مع الإسلام وهم روسيا، وبعض القادة الهنود المناوئين للإسلام، وحزب الليكود الإسرائيلي، وكذلك الصين.
وتكوين حلف مقدس جديد سوف يعني المزيد من العزلة في عالم يزداد استقطاباً بشكل متزايد. ولكن هذا الاحتمال مع ذلك لن يثني المتطرفين في إدارة بوش الملتزمين بهدف خوض صراع حياة أو موت ضد الإسلام، والذين يريدون من أميركا أن تقوم بمهاجمة إيران، والذين لا يمتلكون مع ذلك أي إدراك واسع لما يجب أن يكون عليه الدور الأميركي في هذا العالم.
ولسوء الحظ فإن الورطة التي تواجه أميركا اليوم في العراق أكثر تعقيدا من أن يمكن حلها بواسطة الحلول المقترحة من قبل الجانب الديمقراطي في المنافسة الانتخابية. فعلى الرغم من أن كيري كان يمكن أن يحظى بقدر أكبر من الثقة بين حلفاء أميركا التقليديين لأنه راغب في إعادة النظر في حرب لم يقم هو بشنها، إلا أن ذلك وحده لن يكفل قيام ألمانيا وفرنسا بتقديم الأموال والرجال له، لأن الثقافة النفعية السائدة في أوروبا، والتي تقوم على الامتناع عن القيام بالمسؤوليات الأمنية العالمية، قد جعلت الدول الأوروبية الرئيسية كريمة في توجيه النقد، ولكنها عازفة عن تحمل المسؤوليات.
ولإغراء الأوروبيين على القيام بأفعال، يجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تواجههم بخيارات استراتيجية، فيما يتعلق بالتعامل مع الموضوعات الثلاثة الأكثر تفجرا في الشرق الأوسط وهي: الصراع العربي الإسرائيلي، والمأزق في العراق، والتحديات التي تمثلها إيران.
فهذه الموضوعات يؤثر كل