تعرف الزكاة لغة بأنها النماء والريع والزيادة، من زكا يزكو زكاة وزكاء، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "العلم يزكو بالإنفاق". ومن معاني الزكاة أيضاً الصلاح والطهارة، كما ورد في قول الله تعالى:"ولكن الله يزكي من يشاء" (سورة النور 21).
وفي الاصطلاح الشرعي تعرف الزكاة على أنها "أداء حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه حولان الحول وبلوغ النصاب". أما التعريف الاقتصادي للزكاة "فالزكاة هي طريقة من طرق إعادة توزيع الدخل القومي". وزكاة المال هي فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركانه، وقد دل على فرضيتها ووجوبها القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع. وهي تعتبر من ثوابت هذا الدين وأركانه. قال تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" (سورة النور 56). وقول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت"، (أخرجه البخاري ومسلم).
وقد اقترنت الزكاة بالصلاة في كتاب الله تعالى، فحيثما ورد الأمر بإقام الصلاة اقترن به الأمر بإيتاء الزكاة أيضاً. وبناءً عليه قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، إنها لقرينتها في كتاب الله". والزكاة طهارة تطهر النفس البشرية من الشح والبخل، وتحررها من أسر وسيطرة الحب المفرط للمال. بل وترجع الإنسان إلى عقله وصوابه ليتذكر بأن الحياة ليست مادة فقط، وإنما الحياة خلقها الله من مادة وروح، فهي تحتوي الكثير من المعاني السامية والأخلاق الحميدة والمبادئ والقيم. وليتذكر دافع الزكاة بأنه لا يرزق بحوله وقوته هو ولكنه يرزق بحول الله وقوته. فهذا المال الذي ينفقه في سبيل الله ليس من رزقه وإنما هو من رزق مستحقي الزكاة ساقه الله إليهم فلا يجوز حرمانهم منه أبداً. ولذلك ورد من مصارف الزكاة ابن السبيل حتى وإن كان غنياً في بلده الأصلي الذي أتى منه، وورد كذلك مصرف الغارمين (أي المدينين) حتى وإن كانوا أغنياء قبل أن يتعرضوا لأزمة المديونية. وأن في ذلك حكمة ربانية للمتأملين والمتدبرين حتى يُري الله تعالى المنفق بأن الله قادرٌ على أن يزيل نعمته ويجعله كهؤلاء إن شاء.
فالزكاة إذاً بشكل خاص والإنفاق بشكل عام يولد مشاعر المحبة والأخوة والإيثار ويغذيها وينميها، ويمحو في ذات الوقت الحسد والحقد والبغضاء، فيزكي النفوس والقلوب ويطهرها. حيث تقوم الزكاة بسد حاجة الفقراء والمساكين والمحتاجين، وتفرج كرباتهم وتعالج همومهم، وتصلح أحوالهم الاقتصادية ومعيشتهم خصوصاً وإن اتبعنا طريقة الإغناء بالصدقات التي أكد عليها العلماء، والتي تتمثل في تحويل الأسر المحتاجة من مجرد أسر متلقية للزكاة إلى أسر تستغل أموال الزكاة في إنشاء مشاريع إنتاجية. ولقد أثبتت النظريات الاقتصادية أن الميل الحدي للإنفاق على السلع الاستهلاكية الضرورية مرتفع عند الفقراء وذوي الدخول والثروات المنخفضة، ومنخفض عند الأغنياء وأصحاب الثروات، أما الميل الحدي للإنفاق على السلع الكمالية فهو عكسه تماماً. ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن الزكاة سوف تعمل بالطبع على زيادة الطلب الكلي على السلع الضرورية، ومن ثم سوف تؤدي بشكل تلقائي إلى إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية لإنتاج السلع الضرورية. والعكس تماماً سوف يحدث بالنسبة للسلع الكمالية التي سوف ينخفض الطلب الكلي عليها بالطبع. ولا شك أن في ذلك خلق مصلحة عامة للمجتمع ودرء مفسدة في ذات الوقت. فلا يعقل أبداً أن نترك فئات قليلة من المترفين تتمرغ في النِّعم وتبذر وتسرف في السلع الكمالية بلا رشد ولا حكمة، وننسى السواد الأعظم من الناس يعانون ويلات الفقر والجهل والمرض ولا يجدون ضروريات الحياة دون أن نبحث لهم عن علاج يعيد توزيع الدخل القومي بشكل عادل ومتوازن.
والحقيقة أننا لو بحثنا في النظريات الاقتصادية المعاصرة التي تعالج موضوع إعادة توزيع الدخل القومي سوف لن نجد آليةً أفضل مما قرره الاقتصاد الإسلامي من زكاة يدعمها إنفاق العفو والوقف الخيري. ولا شك أن الجانب الإيماني والمعنوي هو الداعم الرئيس لكل مقومات الاقتصاد الإسلامي. كما تعمل الزكاة بشكل غير مباشر إلى تخفيض نسبة الجرائم في المجتمع، وذلك لأنها تقضي على الكثير من الدوافع المالية للجريمة. والحقيقة أن نسبة لا تقل عن 60% من تلك الجرائم اليوم ترتكب بدوافع مالية. إن إعادة توزيع الدخل القومي عن طريق الزكاة هي فريضة سماوية ثابتة لا يجوز تغييرها وتكييفها حسبما تقتضيه الظروف الاقتصادية، في حين أن إنفاق العفو والوقف الخيري من الممكن التحكم به وإخضاعه للسياسات الاقتصادية حسبما تقتضي الظروف.
ولقد اعتاد الناس اليوم على إخراج زكاة المال في رمضان، ولربما يكون من أجل الحرص على مضاعفة الحسنات. بيد أن تلك عادةٌ محضةٌ ليس لها علاقة بالعبادات، بل إنها قد تخرج عن مقاصد الشريعة الإسلامية في الزكاة، وقد تكون لها بعض السلبيات. فالزكاة هي حق معلوم وث