لا أدري كيف ينظر رجال الإعلام العرب إلى مسألة "أخلاقيات المهنة"؟. هل يحسبون لها أي حساب؟. هل يضعون الأسس والقواعد والمعايير ومن ثم التشريعات لإدارة مؤسساتهم الإعلامية بناء عليها؟ أم أن الأمر متروك للأمزجة ولمنافسات السوق وللمبادئ التجارية حتى لو أدى ذلك إلى دفن الأخلاق المهنية؟.
لنأخذ نموذجا بسيطا على تحديد المعايير الأخلاقية التي تحرك وسائل الإعلام العربية، وخاصة الفضائيات التي انتشرت مؤخرا انتشار النار في الهشيم. ولنسأل العارفين بقواعد اللعبة الإعلامية السؤال التالي: عندما تحصل وسيلة إعلامية، ولتكن قناة فضائية، على شريط فيديو يحوي بيانات أو نشاطات أو تصريحات أو عمليات قتل وتدمير أو ذبح ترتكبها جماعة إرهابية... هل يحق لها أن تبث هذا الشريط؟... وإلى أي مدى تعتبر إذاعة الشريط مخالفة واضحة وصريحة لمبادئ "أخلاقيات المهنة" الإعلامية؟
حسب مفهومي المتواضع عن النظريات الإعلامية التي اطلعت على بعضها، أستطيع القول أن بث مثل هذه المواد الإعلامية يخالف شرف المهنة، ويكسر كل القواعد الأخلاقية ويقضي على كل معايير المثل والمبادئ التي تتحكم بأي عمل إعلامي. وتعالوا نحسبها هكذا: هل يحق لأية وسيلة إعلامية بث شريط يحوي على مادة إعلامية مؤذية أو غير لائقة؟. الجواب بطبيعة الحال هو:"لا" وإلا فإن هذه الوسيلة ستتعرض للمسائلة القانونية، فهناك معايير قانونية تتحكم في بث المواد الإعلامية. ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، لا يسمح لشبكات التلفزيون الأرضية غير المشفرة (Basic Channels) أن تبث ما تبثه القنوات المشفرة. فقد تفاجأ بفيلم قطعت الرقابة نصف مناظره في القنوات الأرضية، ولكنك تشاهده كاملا على القنوات المشفرة. وينطبق ذلك على مشاهد العنف أو المشاهد غير المرغوبة.
تعالوا الآن نسأل أنفسنا: ماذا لو قام أحدهم بإنشاء قناة فضائية متخصصة لكبار تجار ومهربي المخدرات، يطرحون فيها أفكارهم وآراءهم ونشاطاتهم؟. هل يعتبر ذلك مخالفا لقواعد "أخلاقيات المهنة"؟. بطبيعة الحال الجواب هو:"نعم"... ليس هذا فحسب، بل سيطارد القانون مثل هذه القناة وكل العاملين فيها عن طريق كل أجهزة البوليس الدولية، فليس من المعقول أن تكون لتجار المخدرات قناة إعلامية لبث سمومهم في جسد المجتمع.
وبناء على القاعدة الأخلاقية والقانونية ذاتها، فإن بث أية مادة من قول أو تصريح أو بيان لأي إرهابي أو لأية جماعة إرهابية عبر أية قناة فضائية، هو في حقيقة الأمر مساو تماما لبث أية مواد فاضحة أو بث أية دعاية لتجار المخدرات والسموم البيضاء. فهذا يفسد المجتمع ويجعله ينهار من الداخل، وذاك الفكر الإرهابي يقضي على المجتمع عن بكرة أبيه.
كيف نستطيع إلزام تلك الوسائل الإعلامية بمبادئ أخلاقيات المهنة هذه؟. الجواب سهل وبسيط: بالقوانين والتشريعات التي تفرض عقوبات صارمة على أي مخالف. فالفضائيات العربية التي لا تلتزم بأخلاقيات المهنة الإعلامية وتبث مواد وأشرطة فيديو وبيانات لأية جماعة تسيء لمبادئ الديانات السماوية السمحة وتشجع على ترويج الأفكار الهدامة، تتساوى مع الفضائيات التي تبث أفلام العنف والأفلام غير المسموح ببثها لأسباب أخلاقية بحتة والتي تحط من قدر المجتمع ومن أخلاقياته. وعليه فإن التعامل القانوني هنا مطلوب للتدخل من أجل حماية المجتمع من تسرب أي فكر منحرف أو أي فكر يروج للإرهاب.