قررت أول من أمس الهيئة الأوروبية للرقابة على الأدوية (EMEA)، إجراء مراجعة شاملة لمدى سلامة تعاطي طائفة محددة من الأدوية، ينتشر استخدامها حالياً بين المرضى المصابين بالتهاب المفاصل المزمن. وتأتي هذه المراجعة نتيجة تزايد المخاوف من تسبب طائفة الأدوية تلك، والمعروفة بمثبطات "الكوكس-2" (Cox-2 inhibitors)، في زيادة احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية والذبحة الصدرية. هذا الخبر هو الفصل الأخير في قصة بدأت أحداثها الشهر الماضي، عندما أعلنت شركة الأدوية العملاقة "ميرك" (Merck) وبشكل مفاجئ، عن قرارها سحب عقارها الشهير "فيوكس" (Vioxx) من الأسواق، في جميع أنحاء العالم دون استثناء. هذا القرار كان نتيجة الدراسات والإحصائيات، التي أظهرت أنه من بين كل أربعمائة شخص يتعاطون العقار لأكثر من ثمانية عشر شهرا كعلاج لتخفيف آلام المفاصل، يصاب ثلاثة منهم بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية. وسرعان ما انهارت أسعار أسهم "ميرك" - ثاني أكبر شركة أدوية في العالم- في بورصة الأوراق المالية، لتفقد الشركة في يوم واحد 26.8% من قيمتها، وتتبخر بذلك - وفي ظرف ساعات قليلة- مليارات الدولارات من أموال المستثمرين. فمنذ أن طرحت "ميرك" الفيوكس في عام 1999، شهد العقار نجاحاً مطرداً واستخداماً متزايداًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً من قبل مرضى التهابات المفاصل، إلى درجة بلغ معها عدد مستخدميه حول العالم أكثر من مليوني شخص، وبلغت مبيعاته 4.6 مليار دولار في عام 2003 فقط. ولم تتوقف مصائب "ميرك" عند هذا الحد فقط، بل سرعان ما رفعت ضدها قضية تعويضات في ولاية "أوكلاهوما" الأميركية، على أساس أنها ضللت المرضى ولم تنبهم بالقدر الكافي إلى مخاطر العقار، وهي القضية التي يتوقع أن تتكرر مثيلاتها، وربما تواجه الشركة في النهاية دعوى جماعية (class action) من جميع مستخدمي العقار.
وعلى مقولة أن الحسنة تخص والسيئة تعم، تأثرت سلباً مبيعات الشركات الأخرى التي تصنع أدوية مشابهة "للفيوكس" من طائفة (Cox-2 inhibitors)، بسبب مخاوف الأطباء والمرضى من تسببها في نفس المضاعفات، أو بالتحديد الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. هذا الوضع الحالي، يشكل تناقضاً صارخاً مع الآمال التي ترافقت مع اكتشاف وبدء استخدام مثبطات "الكوكس-2" قبل بضع سنين. ففي ذلك الوقت، اعتقد الجميع أن مرضى التهاب المفاصل أصبح متوفراً لهم علاج ناجع وفعال، يخفف من آلامهم ومعاناتهم اليومية. فعلى عكس طائفة العقاقير التي كانت تستخدم وقتها، والمعروفة بمضادات الالتهابات غير السترويدية (Nonsteroidal Anti-Inflammatory Drugs)، والتي كانت تتسبب في مضاعفات خطيرة في الجهاز الهضمي، مثل الإصابة بالقرحة والنزيف الداخلي، سوقت مثبطات "Cox-2" على أنها خفيفة على المعدة والأمعاء (stomach friendly). ولم يكن ليخطر على بال من صنعوا أو سوقوا تلك العقاقير، أنها ستكون صديقة للمعدة وفي نفس الوقت عدواً قاتلا للقلب والمخ معاً.
وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لا تعتبر التهابات المفاصل (Arthritis) مرضاً بحد ذاته، بل هي طائفة ومجموعة كبيرة من الأمراض، يبلغ عددها المائتين حسب بعض التصنيفات العلمية. ومن أشهر الأمثلة على مجموعة أمراض التهابات المفاصل: مرض الروماتويد ومرض النقرس أو داء الملوك والتهاب المفاصل التحللي (degenerative osteoarthritis) والذي يصيب كبار السن كمظهر من مظاهر الشيخوخة، والتهاب المفاصل الصدفي والذي يترافق مع الإصابة بالصدفية، والتهاب المفاصل التقيحي والذي ينتج عن حدوث عدوى بميكروب داخل المفصل. وينتمي الكثير من أنواع التهابات المفاصل إلى طائفة أمراض المناعة الذاتية، مثل الروماتويد والتهاب المفاصل الصدفي. وتنتج أمراض المناعة الذاتية من خطأ في تنظيم وعمل جهاز المناعة في الجسم، بحيث يقوم بمهاجمة أنسجة وأعضاء الجسم الطبيعية، بدلا من مهاجمة ومقاومة الميكروبات والأجسام الغريبة. وينتشر التهاب المفاصل بين أفراد الجنس البشري انتشاراً واسعاً. ففي بريطانيا مثلا، يبلغ عدد من يتم تشخيص إصابتهم لأول مرة بالتهابات المفاصل حوالي الثمانية ملايين شخص كل عام، وهو ما جعل من التهابات المفاصل السبب الأكثر شيوعاً خلف الإعاقة البدنية في بريطانيا. بينما في الولايات المتحدة، تصيب التهابات المفاصل ثلث البالغين، أو واحداً من كل ثلاثة أشخاص. وأيضاً وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تصيب التهابات المفاصل كبار السن فقط، بل يعاني منها مئات الأطفال حول العالم أيضاً. وعلى الرغم من أن بعض أنواع التهابات المفاصل تصيب النساء بمقدار ضعف ما تصيب به الرجال، إلا أن هذا المرض – أو بالأحرى المجموعة من الأمراض- لا تعترف بجنس أو سن أو عرق أو عنصر، حيث يمكن أن تصيب أي شخص في أي زمان أو مكان، مما يجعلها حالة صحية عالمية بالفعل.
هذا الكم الهائل من المرضى، وفرت مثبطات "الكوكس-2" تخفيفاً لآلامهم وراحة من معاناتهم اليومية. ولكن بدا واضحاً مؤخراً أن ثمن هذا التخفيف وتلك الراحة، كان المخاطرة بالإصابة بالذبحة