تشير جولة استطلاعات الرأي التي أعقبت المناظرة التلفزيونية الرئاسية الثالثة إلى أن هذه الاستطلاعات لن تنجح في إعطائنا صورة واضحة لمن سيفوز في الانتخابات إلا في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية. ليس ذلك بسبب عدم دقة ونجاح نتائج استطلاعات الرأي، وإنما لأن آراء الناخبين أنفسهم ما زالت تتسم بقدر كبير من التردد وعدم الاستقرار. وبينما تعهد العديد من الأميركان بإعادة انتخاب الرئيس بوش أو بالتخلص منه، لا تزال هناك قوة كبيرة نسبياً من الناخبين المتأرجحين الذين يمكن أن يشكلوا قوة دفع حاسمة للرئيس ولكنهم ما زالوا لم يقرروا بعد توفير دعم مريح للسيناتور جون كيري. كذلك فقد استمر هذا الضغط المزدوج يمثل مأزقاً حقيقياً لملايين الناخبين المتأرجحين.
وبعد المناظرة الثانية كان السباق قد دخل مرحلة هامشية من الوضوح حيث اتجهت بعض المؤشرات نحو كيري. إلا أن هذا الأسبوع اتسمت الصورة فيه بالكثير من الضبابية حتى مع إيمان الناخبين بأن كيري قد فاز أيضاً بالمناظرة الثالثة. ولقد ظل السباق محتدماً في استطلاعات "نيويورك تايمز" وشبكة أخبار "سي. بي. اس" ومركز "بيو" للبحوث بينما سجل الرئيس تفوقاً ملحوظاً في استطلاعات "نيوزويك" ومجموعة "جالوب". وفي استطلاعات شبكة "أيه. بي. سي" الإخبارية مع "واشنطن بوست". وبالإضافة إلى الاختلاف والنزاع في الخطوط القاعدية فإن هذه الاستطلاعات تضمنت مجموعة من النتائج المختلفة والمتضاربة أيضاً في آراء الناخبين ويعتقد البعض أن المناظرات التلفزيونية لم تتمخض عن أية تأثيرات على مسيرة السباق بينما يؤكد البعض الآخر على أنها شكلت إضافة حقيقية لمستوى الدعم المقدم للسيناتور كيري. وفي الوقت الذي رأى البعض من خلالها تناقصاً كبيراً في رصيد الرئيس إلا أن البعض الآخر يرى أن هذا الرصيد ما زال يتسم بالاستقرار.
ويبدو أن من المفيد أن نستعيد إلى الذاكرة صورة الناخبين قبل أربعة أعوام من الآن حيث كانوا منقسمين بين المرشحين بشكل أشبه بما هو عليه الحال الآن. ولكن تباين الآراء بشأن آل جور وبوش لم يشهد هذا القدر من الإثارة لأن الأمر لم يكن ينطوي على مستوىً كبير من الحماس لأي من الرجلين. وفي الحقيقة فإن استطلاعات الرأي أثناء إعادة احتساب أصوات ولاية فلوريدا كشفت عن أن الأغلبية كانت تصر على أن كلا المرشحين يمكن أن يصبح رئيساً يحظى بالقبول. وهو الأمر الذي يشكل اختلافاً فارقاً بكل المقاييس مع ما يجري الآن في عام 2004 إذ يتضح أن الناخبين باتوا أكثر انشغالاً بالسباق، ويولون المزيد من الاهتمام بالتغطية الإعلامية للانتخابات، وهنالك نسبة متزايدة تؤكد على أن الأمر يستحق الاهتمام بالشخصية التي سوف يتم انتخابها في نوفمبر. إلا أنه ما زال هنالك العديد من الأشخاص الذين ما زالوا غير متأكدين من خيارهم أو ما زالوا لم يصلوا بعد إلى القرار المناسب. ونسبة لهذا الاختلاف التعددي الكبير فإن استطلاعات الرأي قد وقفت حائرة لا تستطيع الجزم أو التكهن بشأن مسيرة السباق. وهناك جانب من الحكمة يقول إن الناخبين المتأرجحين سيتجهون في نهاية الأمر لمناصرة السيناتور كيري على أساس أن هؤلاء الناخبين قد تعرفوا إلى جورج بوش ولم يعجبهم أداؤه والحالة التي أصبحت عليها الدولة، لذا فمن الصعب أن يقف هؤلاء إلى جانبه.
إلا أن هنالك مجموعة من البيانات التي تشير إلى أن الناخبين المتأرجحين -الذين ما زالوا يشكلون 14 في المئة من الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم- يفكرون في جميع هذه الأمور ولكن حماسهم ما زال فاتراً تجاه السيناتور كيري وبخاصة فيما يتعلق بقدرته في التعامل مع الحملة ضد "الإرهاب". وهناك افتراض شائع بأن الناخبين لن يعمدوا إلى سحب خيولهم من المعركة في الوقت الذي تواجه فيه الدولة تهديداً من وراء البحار والقوات ما زالت موجودة في الميدان. لذا، فعلى الرغم من تصنيفه الهامشي بنسبة 47% فإن بوش سوف يتشبث حتى النهاية بهذه الفكرة إيماناً بأن الناخبين المتأرجحين لن يرتضوا وضع الدولة على حافة الخطر. علماً بأنه لا يوجد رئيس في أي زمن للحرب قد خسر سباق إعادة انتخابه كما يضيف المدافعون عن هذه الفكرة. ولكننا لا نعيش في زمن الحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام إذ أن غالبية الناخبين المتأرجحين قد حددوا المشاكل المحلية (التي تشكل عامل قوة أكبر للسيناتور كيري) كأولى أولوياتهم وليس المشاكل الأمنية.
وأخيراً، فقد تنبأ العديد من الخبراء بأن أياً من المرشحين لن يتمكن من تسجيل نصر واضح وأننا سوف نشهد هامشاً لصالح أحدهما لا يزيد على حد السكين وحالة أشبه بإعادة إنتاج شريط التضارب والنزاع الذي صاحب انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة.
أندرو كوهت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس مركز "بيو" لاستطلاعات الرأي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"