فيما لو أجريت الانتخابات اليوم، وتم فرز الأصوات وإحصاؤها بنزاهة، فربما يكون الفوز من نصيب المرشح الديمقراطي جون كيري. غير أن فرز الأصوات وعدها لن يكونا نزيهين، وربما يحدد حرمان الأقليات الناخبة من التصويت، النتيجة النهائية للانتخابات. تشير نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخرا، إلى تقدم كيري على بوش بنسبة 3 في المئة وفقاً لإحصاءات مجموعة "إيه. بي. إبسوس" بينما تشير استطلاعات "مؤسسة جالوب" إلى تقدم بوش على كيري بفارق ثماني نقاط. لكنك لو جمعت متوسط مجموع نتائج استطلاعات الرأي العام التي نشرت خلال الأسبوع الماضي، فإنك تلحظ أن جملة النقاط المؤيدة للرئيس بوش هي 47 في المئة. وهذه نتيجة ليست لصالح بوش طالما أن القاعدة العامة هي أن الناخبين الذين لم يحددوا موقفهم الانتخابي بعد، عادة ما يصوتون ضد الرئيس القائم وليس لصالحه.
نحن نتحدث هنا عن مجرد احتمالات، دون أن نؤكد تأكيداً قاطعا. وحتى هذه الأصوات غير المحددة بعد، لا يتجاوز نصيب تأييد بوش بينها نسبة 47 في المئة أيضا، وهي نسبة تضعه في خانة الخطر الانتخابي. كما تشير تقديرات "الكلية الانتخابية" القائمة على استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات، إلى أنه من المحتمل أن يحظى السيناتور كيري في اللحظة الحاسمة من التنافس الانتخابي، بأصوات يتجاوز عددها 300 صوت، تعود للناخبين الذين سيحسمون موقفهم أخيراً لصالح المرشح المنافس وليس الرئيس.
ولكنك حين تتابع الأخبار السياسية، وأخبار الحملة الانتخابية عبر القنوات التلفزيونية، فإنه يتكون لديك انطباع جد مختلف عن أين تقف الأمور على وجه التحديد. فشبكة "سي. إن. إن" مثلا - وهي الشبكة المشاركة في رعاية وتمويل الاستطلاع الذي أجرته "مؤسسة جالوب"- لا تقول للمشاهدين مطلقاً إن هناك استطلاعات رأي أخرى، تقدم أرقاماً وتنبؤات مغايرة لتلك التي أجرتها "مؤسسة جالوب". وينطبق الشيء نفسه على قناة "فوكس نيوز" التي تشير استطلاعاتها إلى موقف مؤيد جداً للرئيس بوش. وبالنتيجة، فإن الانطباع العام والشائع لدى الجمهور، هو أن الرئيس بوش يتقدم كثيراً على منافسه كيري. وبهذه المناسبة، علينا أن نتساءل عن السبب الذي يدعو "مؤسسة جالوب" التي لن تتميز عن غيرها من المؤسسات إلا بتاريخها العريق في المجال، لإظهار تقدم كبير للرئيس بوش على منافسه، في حين تظهر استطلاعات المؤسسات الأخرى، عكس ذلك تماما؟ الإجابة عن هذا السؤال هي أنه يعتمد على الطريقة التي تحدد بها "مؤسسة جالوب" الموقف الانتخابي "للناخبين المحتملين" حيث لا يظهر استطلاع المؤسسة سوى تقدم لبوش على منافسه بثلاث نقاط من جملة الناخبين المسجلين للاقتراع. وكما يشير "روي تكسيرا"، الخبير الديمقراطي في مجال الاقتراع، فإن العينة الانتخابية التي تعاملت معها "مؤسسة جالوب" فيما يتصل بالناخبين المحتملين، تشمل نسبة أقل بكثير من ناخبي الأقليات والشباب مقارنة بالنسبة الحقيقية لهذه الفئات في انتخابات عام 2000.
وعليه فإن نظرة أوسع وأكثر شمولا للحملة الانتخابية الجارية، ستكشف أن الرئيس بوش يواجه مشكلة انتخابية. ولكنه على الأرجح سيستفيد من الانحرافات التي ستصحب مرحلة فرز الأصوات وعدها. وفي هذا تعد ولاية فلوريدا النموذج الأكثر بروزا، رغم أنها ليست الوحيدة. مؤخرا أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت هناك، تنافساً حاداً بين المرشحين، يمكن ترجيح الكفة فيه لصالح أحدهما، بالعجز عن عد جميع الأصوات. هذا ومن المؤكد أن الأصوات الخاصة بالسيناتور كيري سوف يجري عدها بحيث تكون أقل من عددها الفعلي. في الأسبوع الماضي كنت قد تناولت الدراسة التي أعدها "جريج بلاست" عن انتخابات عام 2000، وهي الدراسة التي أظهرت بوضوح، كيف أن ولاية فلوريدا قد أهديت للرئيس بوش بفعل مجموعة من العوامل، تضافرت جميعها على حرمان الأقلية السوداء من الاقتراع في تلك الانتخابات. وقد شملت قوائم الحرمان، إدراج الآلاف من الناخبين السود الأبرياء، في قوائم المجرمين الممنوعين قانوناً من التصويت، إلى جانب استخدام ماكينات عد أصوات انتخابية معطوبة، أخفقت في إحصاء كافة أصوات السود في أحيائهم ومناطق تجمعاتهم السكنية البائسة الفقيرة.
ويتوقع المرء أن تكون ولاية فلوريدا قد عالجت هذه المشكلات خلال السنوات الأربع الماضية. غير أن غالبية أولئك الذين حرموا خطأ من ممارسة حقهم الانتخابي في عام 2000 لم تسترد إليهم بعد تلك الحقوق المسلوبة. كما أن استبدال الماكينات الانتخابية التي استخدمت في عام 2000 خلق مشكلات إضافية جديدة، هو الآخر. يشار هنا إلى أنه وعقب كارثة انتخابات عام 2000 في الولاية كان محافظها "جيب بوش" قد عين وحدة مهام انتخابية، أوصت بضرورة تبني الولاية، تكنولوجيا انتخابية حديثة، من شأنها الحد بدرجة كبيرة من القصور الذي أحاط بإحصاء أصوات الناخبين في السنة المذكورة، فضلا عن توفير نظام ورقي داعم، يعمل على تنبيه الناخبين إلى موضع الخلل أو الخطأ المعين في فرز وعد أصواتهم.
ولكن المشكلة أن حاكم