"خائفة...خائفة من بكرة. خائفة من أن يتوقف عمل زوجي. منذ الاستقالة لم يدخل إلى البيت ليرة واحدة، ونحن في رمضان والعيد على الأبواب وأقساط مدارس الأولاد لم تدفع بالكامل". واستطردت وهي تشهق بين دمعة وأخرى:" البلد تغلي، لا أحد يعلم إلى أين؟ هل ستعود الحرب؟ هل سيرتفع سعر صرف الدولار؟ أي نوع من العقاب ستأمر به أميركا إذا لم ينسحب السوريون؟ ...لقد تعبنا، تعبنا. المفروض أن يكون رمضان شهر للفرح والسكينة والتسامح والرضى، فإذا به خوف وقلق وأسئلة لا ندري ما هي الإجابة عليها، وعلى من نطرحها لنحصل على إجابة؟"
هذا البوح، جأني من أخت لبنانية عزيزة اتصلت بها قبل أيام لأبارك بحلول الشهر الفضيل، وخوفها هذا وتساؤلاتها تلك، فتحت الباب لعلامات استفهام كثيرة لا بد من طرحها.
استقال رفيق الحريري، خير إنشاء الله. هل يجوز أن تنهزّ البلد (لبنان)، ويفقد أهلها الثقة بالمستقبل لمجرد تغييب فرد عن الحكم؟ أي وطن هذا الذي يعتمد على أموال وعلاقات وديبلوماسيات فرد للبقاء برأس مرفوعة وباقتصاد -رغم ديونه-، إلا انه لا يزال يستقطب استثمارات؟
هل يجوز أن يؤدي غياب شخص إلى زعزعة الثقة بالليرة اللبنانية، وإلى سحب المودعين ودائعهم والهرب بها في رحلة اغتراب أخرى غير معروف متى تنتهي؟
هل لبنان بعد اتفاق الطائف هو لبنان الحريري، وإذا غاب أو غيب أصبح على لبنان السلام؟
هل يجوز أن يختار الرئيس إميل لحود بديلا عن "عدوه"، بضعف البديل الذي اختاره فيتجمد كل شيء في لبنان –والنار تغلي فيه ومن حوله- إلى حين الانتهاء بعد أشهر معدودة من دوامة الانتخابات النيابية؟
هل يجوز بعد 15 سنة من "السلام المفترض" والكلام المجتر عن دولة المؤسسات، ألا تكون في لبنان لا دولة ولا مؤسسات؟
أبالغ؟ لا أبالغ. والبرهان "مؤسسة" كهرباء لبنان، التي أغرقت البلد في العتمة قبل أسابيع، وستغرقها مجددا وبعد كل صيف تقدم فيه الكهرباء 24 ساعة إكراما للسياح العرب، وبعد خروجهم تقطع وتقنن لتذكر اللبنانيين بأيام الحرب المعشعشة في خلاياهم. أما الحل الذي قدم قبل أسابيع فكان "تلبيس طرابيش" لا أكثر ولا أقل، وليس حلا جذريا يعيد النور إلى ما سمي ذات يوم "بلد النور". وعلى شاكلة مؤسسة كهرباء لبنان كل ما له علاقة بقوت اللبناني ودوائه ومستقبله وعزته وكرامته.
هل صحيح أن "المنقذ" الأوحد للبنان هو رفيق الحريري؟ وهل المفروض أن يبقى اللبناني في حالة معاناة دائمة في وجوده على رأس الحكومة وبعد استقالته منها؟
وهل اختار الرئيس إميل لحود الشخص المناسب له ولسياسته الخاصة أو المقتسمة مع الجوار على رأس الحكومة الجديدة، أم أن عمر كرامي –الذي عرف السياسة بعد مقتل أخيه رشيد- هو الشخص المناسب للحكم؟
قد يتصور البعض أن الحل هو بعودة الرئيس الحريري إلى السرايا.
الحل، ليس كذلك. ولن يبدأ الحل إلا من مجلس النواب الجديد الذي يجب على اللبنانيين بكل طوائفهم ومللهم وأحزابهم أن يشكلوه بعد شهور بغض النظر عن المحسوبية والولاءات التافهة والإقطاع السياسي، وموشح الأب والابن... والشقيق والشقيقة. برلمان يحترم الإرادة اللبنانية ويحترم نفسه قبل أي شيء آخر.
الحل يا صديقتي، أن نواجه الخوف بالأيمان. الأيمان بأنك، وأنه، وأنني، لبنان، المحمي بالمحبة والعطاء الصادقين...لا تخافي.